من النفط إلى الصناعات التحويلية: العراق يخطو نحو المستقبل
12:56 - 01 أكتوبر 2025
في خطوة تُعدّ الأكبر منذ عقود، أعلنت الحكومة العراقية عن 160 فرصة استثمارية جديدة في مختلف القطاعات الاقتصادية، بقيمة تقديرية تصل إلى 450 مليار دولار.
وتأتي هذه الخطوة ضمن استراتيجية تهدف لتنويع الاقتصاد الوطني بعيدًا عن الاعتماد شبه الكلي على النفط، وتعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص، وإطلاق مشاريع استراتيجية كبرى في مجالات الطاقة، الصحة، الصناعة، النقل، السياحة، التعليم، الإسكان، والزراعة، إلى جانب تطوير المدن الصناعية والمناطق الحرة.
الخطوة الأكثر أهمية في هذه الخطة تشمل إنشاء ثلاث مدن صناعية جديدة، بينها أول مدينة صناعية دوائية في العراق، وإطلاق المرحلة الثانية من مشاريع المدن الجديدة لتوفير نحو 150 ألف وحدة سكنية في مدن متكاملة عبر عدد من المحافظات.
وفي سياق متصل، كشف المستشار الاقتصادي عادل الدلفي خلال حديثه لبرنامج "بزنس مع لبنى" على سكاي نيوز عربية، أن العراق يمتلك مقومات ضخمة لجذب الاستثمارات الأجنبية، من موارد طبيعية وفوسفات وكبريت، إلى موقع جغرافي استراتيجي وطاقات شبابية عالية. وأكد الدلفي أن الشباب في العراق يشكلون أكثر من 30 بالمئة من السكان، مما يجعل العراق دولة فتية، ويمنحها ميزة تنافسية كبيرة في سوق الاستثمار الإقليمي والدولي.
وقال الدلفي: "الاستثمارات المتاحة حالياً في العراق تشمل قطاعات الطاقة المتجددة، النفط والغاز، الزراعة والصناعات الغذائية، السياحة الدينية والبيئية، بالإضافة إلى البنية التحتية مثل النقل، السكك الحديدية، والموانئ".
تسهيل تأسيس الشركات: خطوة حاسمة لتعزيز ريادة الأعمال
وأضاف الدلفي أن الحكومة العراقية تعمل على تسهيل إجراءات تسجيل الشركات، وهو ما يمثل تحفيزًا كبيرًا لريادة الأعمال، ويسهم في تكوين تكتلات اقتصادية عبر الشركات القابضة، وتشجيع القطاع الخاص وجذب الاستثمارات الأجنبية. وأوضح أن "الابتعاد عن البيروقراطية التي عانى منها المستثمرون سابقًا سيُحدث فرقًا كبيرًا في مناخ الاستثمار داخل العراق".
ويشير تقرير وزارة التخطيط العراقية إلى أن العراق يعتمد حوالي 90 بالمئة من موازنته العامة على الإيرادات النفطية، وهو ما يجعل التنويع الاقتصادي ضرورة ملحة. ووفقًا للدلفي، فإن العراق يخطط خلال العقود المقبلة للتحول نحو الصناعات التحويلية والزراعة والطاقة المتجددة والتكنولوجيا، لتحقيق استدامة اقتصادية واسعة.
وقال الدلفي: "العراق مقبل على انتقالة نوعية وثورة اقتصادية كبيرة خلال السنوات القادمة، خاصة بعد دعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة، وتحسين بيئة التمويل، وتعزيز الشمول المالي والإصلاح المصرفي".
الحد من الفساد وزيادة الشفافية: عناصر أساسية للاستثمار
وأشار الدلفي إلى أن تقليل البيروقراطية في القطاع المصرفي وزيادة الشفافية يمثلان ركيزة أساسية لتحسين تكلفة التمويل في المشاريع. وأكد أن العراق يعاني من قضايا فساد عدة، ولكن المشاريع التي أُحيلت إلى النزاهة وتحقيقاتها الجارية ستسهم في تحسين بيئة الاستثمار بشكل تدريجي. وأضاف أن دعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة سيكون محورًا مهمًا ضمن التحولات الاقتصادية المقبلة.
ربط العراق بالممرات التجارية الإقليمية لتعزيز الاقتصاد الوطني
وأكد الدلفي أهمية ربط العراق بالممرات التجارية الإقليمية، عبر الخليج وتركيا وآسيا، مما سيسهم في تطوير الاقتصاد الوطني وخلق فرص عمل واسعة للعاطلين عن العمل، وتعزيز التوظيف بين الخريجين وغير الخريجين، بالإضافة إلى دعم الصادرات اللوجستية غير النفطية، وبالتالي زيادة الإيرادات غير النفطية للموازنة العامة.
المدن الصناعية: حاضنات للاستثمار المحلي والأجنبي
أوضح الدلفي أن المدن الصناعية الجديدة ستلعب دورًا كبيرًا في دعم الإنتاج المحلي، من خلال توفير بنية تحتية متكاملة، واستقطاب المستثمرين، وتوفير اليد العاملة. وأشار إلى أن ضعف البنية التحتية في العراق كان أحد التحديات الرئيسية بسبب الفساد والتعقيدات التشريعية، وأن المدن الصناعية ستكون منصة لإطلاق مشاريع صناعية متنوعة، تشمل الطاقة، الصناعات التحويلية، الكيمياوية، والأسمدة.
وأكد الدلفي أن هذه المدن ستسهم أيضًا في "احتضان المستثمرين وتوفير كل الإمكانيات اللازمة لهم، بما يعزز بناء اقتصاد متين ومستدام للعراق".
الشراكات مع الشركات العالمية: نقلة نوعية للقطاع الصناعي
وحول الشراكات مع الشركات العالمية، قال الدلفي إن التعاون مع هذه الشركات سيسهم في تطوير القدرات الصناعية والتجارية العراقية، بعد سنوات من الركود في القطاعات الصناعية والتجارية والزراعية والصحية. وأضاف: "الشركات العالمية ستوفر خبرات متقدمة في مجالات الصناعات التحويلية، الأسمدة، الصناعات الكيمياوية، والصناعات الغذائية، وهو ما سيحفز التطوير التكنولوجي وتحسين الجودة في المنتجات العراقية".
الصندوق العراقي للتنمية: أداة تمويلية لتحفيز الاستثمار
ولفت الدلفي إلى الدور المحوري للصندوق العراقي للتنمية في دعم القطاع الخاص المحلي والعربي والأجنبي، عبر توفير تمويل ميسر للمشاريع الاستراتيجية والبنى التحتية. وقال: "الصندوق هو أداة تمويلية للمشاريع الكبيرة، وسيكون له دور مهم في تشجيع الصناعيين والمستثمرين على العمل داخل العراق، وخلق صناعات جديدة، بما يسهم في توسيع قاعدة الاقتصاد الوطني".
الإحصاءات تعكس نجاح الحكومة في جذب الاستثمارات
وتظهر الأرقام الرسمية أن العراق جذب خلال العامين الماضيين استثمارات بقيمة 102 مليار دولار، منها استثمارات أجنبية تجاوزت 63 مليار دولار، في خطوة تهدف إلى تنويع الاقتصاد بعيدا عن النفط، وتعزيز الشراكات بين القطاعين العام والخاص، وتطوير مشاريع استراتيجية كبرى مثل مشروع "طريق التنمية" الذي يستهدف جذب استثمارات بقيمة 100 مليار دولار، وميناء الفاو الكبير، والمطارات الحديثة.
وأضاف الدلفي أن المشاريع الاستراتيجية، مثل المدن الصناعية والموانئ والمطارات، ستسهم في خلق فرص عمل جديدة، وتحفيز النمو الاقتصادي، وزيادة الصادرات غير النفطية، وتقليل الاعتماد على الإيرادات النفطية في الموازنة العامة.
الطاقة المتجددة والزراعة والسياحة: محركات الاقتصاد الجديد
أكد الدلفي أن العراق سيشهد توسعًا كبيرًا في قطاعات الطاقة المتجددة، والزراعة، والسياحة الدينية والبيئية، كجزء من استراتيجية تنويع الاقتصاد. وقال: "الاستثمار في الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، إضافة إلى تطوير مشاريع زراعية حديثة، سيؤدي إلى تحسين الأمن الغذائي، وزيادة فرص العمل، وتعزيز تنافسية العراق على المستوى الإقليمي".
وأوضح الدلفي أن السياحة الدينية والبيئية، إلى جانب تطوير البنية التحتية للنقل والسكك الحديدية، ستشكل رافدًا مهمًا للنمو الاقتصادي، خاصة مع الاستثمارات في المدن الجديدة التي توفر وحدات سكنية متكاملة، ومدن صناعية متقدمة، وبنية تحتية داعمة.
العراق على أعتاب مرحلة اقتصادية جديدة
يخلص التقرير إلى أن العراق على مشارف مرحلة اقتصادية نوعية، مدعومة بمبادرات حكومية طموحة، وفرص استثمارية كبيرة، وتحسينات هيكلية في البنية التحتية، وتسهيلات للشركات والمستثمرين، ودعم للشراكات مع الشركات العالمية. وتظل التحديات موجودة، لاسيما فيما يتعلق بالفساد، وتعقيدات الإجراءات البيروقراطية، لكن الرؤية الحكومية والاستراتيجيات الاقتصادية المقترحة تشير إلى انتقال العراق نحو اقتصاد متنوع ومستدام.
ويؤكد خبراء الاقتصاد، مثل عادل الدلفي، أن العراق يمتلك كافة المقومات الطبيعية والبشرية والجغرافية لتحقيق هذا التحول، وأن الاستثمار الذكي في القطاعات الواعدة سيضع العراق على خارطة الاقتصاد العالمي بشكل أكثر استدامة وأقل اعتمادًا على النفط، بما يحقق عوائد مالية ضخمة وفرص عمل واسعة لمختلف شرائح المجتمع العراقي.





