ما الذي ينتظر الأسواق الناشئة في 2026؟
10:34 - 10 ديسمبر 2025
تبرز الأسواق الناشئة كلاعب رئيسي يعيد رسم ملامح، فالعالم يدخل عام 2026 وسط تغيرات مالية وجيوسياسية متسارعة، تتداخل فيها دورة خفض الفائدة الأميركية مع بروز قوى تكنولوجية جديدة، ما يفتح الباب أمام فرص وتحديات تتجاوز الأطر التقليدية.
وتسود حالة من التفاؤل الحذر داخل الأوساط الاقتصادية، مدفوعة بإشارات مبكرة على صلابة الطلب المحلي في عدد من الدول النامية، وتراجع الضغوط الناجمة عن قوة الدولار التي كبّلت العديد من الأسواق في الأعوام الماضية.
ومع تحسن بيئة التمويل عالمياً وتزايد شهية المستثمرين للمخاطر، تتجه الأنظار إلى قدرة هذه الاقتصادات على ترجمة الظروف المواتية إلى مسارات نمو أكثر استدامة.
في المقابل، يظل المشهد غير خالٍ من المخاطر، إذ تأتي توقعات الأداء الإيجابي مع تحذيرات من اضطرابات محتملة في سلاسل الإمداد، وتجدد النزاعات التجارية، وتقلبات الجغرافيا السياسية.
تباطؤ طفيف
بحسب تقرير لـ "ستاندرد آند بورز غلوبال"، فإن:
- نمو الأسواق الناشئة كان أقوى من المتوقع في العام 2025.
- بينما نتوقع تباطؤاً طفيفاً في النمو لمعظم الأسواق الناشئة في عام 2026.
- نتوقع أن تواصل صادرات الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا تفوقها في الأداء في عام 2026، مما سيعود بالنفع بشكل رئيسي على الأسواق الناشئة في آسيا.
- سيكون تأثير الرسوم الجمركية الأميركية المرتفعة، والذي كان متواضعاً حتى الآن، أكثر وضوحاً على صادرات الأسواق الناشئة غير المرتبطة بالذكاء الاصطناعي في الأرباع القادمة.
ويفترض التقرير أن ظروف التمويل في الأسواق الناشئة ستظل مواتية في عام 2026، مع استمرار مجلس الاحتياطي الفيدرالي في خفض أسعار الفائدة، واستمرار ضعف الدولار الأميركي الأخير على نطاق واسع.
ومع ذلك، فإن أحد المخاطر الرئيسية التي قد تؤثر سلباً على هذا الرأي هو تخفيضات أسعار الفائدة من قبل مجلس الاحتياطي الفيدرالي بأقل من المتوقع حالياً، في ظل تضخم يفوق المستوى المستهدف.
ويتوقع التقرير أن تواصل بعض البنوك المركزية في الأسواق الناشئة خفض أسعار الفائدة في عام 2026، ومع ذلك، وبما أن معظمها يفعل ذلك بالفعل منذ أكثر من عام، فمن المرجح أن يكون مجال التخفيضات الإضافية محدوداً، ما لم تتدهور الأوضاع الاقتصادية بشكل كبير.
وستساعد ظروف التمويل المواتية، إلى جانب انخفاض مستويات البطالة وتحسن الأجور الحقيقية، على بقاء الطلب المحلي قويًا نسبيًا في عام 2026 في معظم الأسواق الناشئة.
النمو الاقتصادي
يقول خبير أسواق المال، محمد سعيد، لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية":
- الأسواق الناشئة تدخل الربع الأول من العام 2026 بحالة من التفاؤل الحذر، مدعومة بتوقعات نمو اقتصادي متماسك يدور حول 4 بالمئة، وهي نسبة تتفوق بوضوح على نظيراتها في الاقتصادات المتقدمة التي تتحرك بوتيرة أبطأ.
- هذا الزخم الإيجابي يأتي نتيجة تحولات جوهرية في المشهد المالي العالمي؛ أبرزها تراجع هيمنة الدولار الأميركي، الأمر الذي منح عملات الدول النامية قدرًا من التعافي وخفّض الأعباء الثقيلة لخدمة الديون المقومة بالعملة الصعبة، والتي كانت تضغط على موازنات تلك الدول لفترات طويلة.
- هذا التراجع ترافق مع اتجاه عالمي واضح لتيسير السياسات النقدية، حيث بدأ الفيدرالي الأميركي فتح المجال لخفض أسعار الفائدة، ما أتاح للبنوك المركزية في الأسواق الناشئة فرصة مماثلة لخفض الفائدة دون مخاوف كبيرة على استقرار عملاتها.
- أن هذه الخطوة ستسهم في ضخ سيولة محلية وتحفيز الأنشطة الاستثمارية، إلى جانب جذب رؤوس الأموال الأجنبية الباحثة عن عوائد أعلى بعد تراجع جاذبية الأسواق الغربية.
ويضيف: الصورة ليست متطابقة بين جميع المناطق، فـعام 2026 سيُبرز الفجوة بين الدول التي تمتلك قاعدة تكنولوجية قوية وتلك التي لا تزال تعتمد على النماذج التقليدية. وستكون الغلبة - حسب وصفه - للدول الآسيوية المنخرطة بقوة في سلاسل توريد الذكاء الاصطناعي والرقائق الإلكترونية مثل تايوان وكوريا الجنوبية وفيتنام، إضافة إلى الهند التي يُتوقع أن تحقق قفزات نمو استثنائية بفضل قوة الطلب المحلي والإصلاحات الهيكلية.
وفي المقابل، يرى سعيد أن الصين تواجه مشهدًا أكثر تعقيدًا رغم محاولاتها تنشيط الاقتصاد وتجنب الانكماش، وذلك نتيجة استمرار الرسوم الجمركية والقيود التجارية الأميركية التي تشكل صداعًا مزمنًا لقطاع التصدير لديها.
أما الأسواق الناشئة في أميركا اللاتينية وبعض مناطق أفريقيا والشرق الأوسط، فيصف مسارها بأنه متباين؛ إذ إن الاقتصادات المعتمدة على تصدير المواد الخام دون قاعدة تكنولوجية قوية قد تتأثر بتذبذب الطلب العالمي. ورغم تراجع التضخم نسبياً، فإن جيوبًا تضخمية لا تزال تضغط على بعض الدول وتُضعف قدرتها على التعافي الكامل.
ويختتم خبير أسواق المال محمد سعيد حديثه بالإشارة إلى أن شهية المخاطرة لدى المستثمرين تبدو مفتوحة بقوة، مع توقع تدفقات رأسمالية إلى الأسواق الناشئة بحثًا عن الفرص في السندات والأسهم المقيمة بأقل من قيمتها. لكنه يشدد على أن هذه الفرص تظل محفوفة بمخاطر خارجية أبرزها التوترات الجيوسياسية وتقلبات سلاسل الإمداد وشبح الحروب التجارية، معتبرًا أن الرهان الرابح في الفترة المقبلة هو التركيز على الدول ذات الأساسيات المالية الصلبة والبعيدة عن بؤر التوتر السياسي.
عام قوي
ووفقاً لشركة فيديليتي إنترناشيونال، فإنه إذا كان عام 2025 يبدو عاماً قوياً للأسواق الناشئة، "فما عليك سوى الانتظار حتى عام 2026"، بحسب ما نقلته بلومبيرغ.
انضمت الشركة، التي تبلغ أصولها الإجمالية المدارة أكثر من تريليون دولار، إلى عدد متزايد من بنوك وول ستريت التي تراهن على أن تراجع الدولار سوف يساعد في دفع مكاسب أصول الدول النامية إلى العام المقبل.
حثّ الرئيس دونالد ترامب مجلس الاحتياطي الفيدرالي على المزيد من تخفيضات أسعار الفائدة، ويبدو أن إدارته مرتاحة لاقتراب العملة من استعادة مكاسبها التي حققتها العام الماضي.
وكتب مدير محفظة صندوق فيديليتي الاستراتيجي للسندات ، مايك ريدل، أن هذا يُعزز جاذبية الأصول في الاقتصادات النامية، حيث أسعار الفائدة أعلى وقيمة عملاتها في متناول اليد.
أضاف ريدل: "بينما كان الحديث يدور حول تداولات الأسواق الناشئة طوال العام، إلا أن الأموال، بكميات كبيرة، لم تصل بعد. وهذا يُمهّد الطريق لعام 2026، حيث نرى إمكانية تخصيص مبالغ أكبر بكثير لديون الأسواق الناشئة".
ووفق التقرير، يواجه مديرو الأصول تحديات كبيرة إذا ما سعوا إلى تجاوز أداء عام 2025 في الأسواق الناشئة. وتشير مؤشرات MSCI إلى أن عملات وأسهم الأسواق الناشئة في طريقها لتحقيق أفضل أداء سنوي لها منذ عام 2017.
عناصر الدعم
في حديثه مع موقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، يقول رئيس قسم الأسواق العالمية في شركة Cedra Markets، جو يرق:
- عام 2026 يُتوقع أن يكون عاماً إيجابياً للأسواق الناشئة.
- الاقتصادات العالمية بدأت تتعافى من صدمات الحرب التجارية، ومع بداية دورة خفض أسعار الفائدة في الولايات المتحدة، من المرجح أن تشهد الأسواق الناشئة دعمًا إضافيًا.
- هذه الأسواق تعاني عادةً من نسب مديونية مرتفعة، وبالتالي فإن أي انخفاض في الفوائد يخفف الضغط على الحكومات ويزيد قدرتها على تمويل النشاط الاقتصادي بدلًا من خدمة الدين.
ويشدد على أن النمو المتوقع في 2026 سيكون عنصر دعم إضافيا، محذرًا في الوقت نفسه من أن أي تطورات جيوسياسية سلبية قد تشكل خطرًا كبيرًا على هذه الاقتصادات.










