تهديدات ترامب تفاقم تحديات الاقتصاد الهندي
14:36 - 18 نوفمبر 2025
اتسعت فجوة التجارة الهندية إلى مستوى غير مسبوق في أكتوبر، في تطور يعكس اختلالاً متزايداً بين حركة الاستيراد والتصدير في واحدة من أسرع الاقتصادات نمواً في آسيا.
يعيد هذا التحول المفاجئ ملف الميزان التجاري إلى واجهة النقاش الاقتصادي، خصوصاً مع ما يفرضه من ضغوط على العملة والسياسات المالية، وفي ظل العلاقات التجارية المتوترة مع الولايات المتحدة.
جاء الارتفاع القياسي في العجز مدفوعاً بقفزة كبيرة في الواردات، بعد أن حفّز خفض ضريبة الاستهلاك الطلب المحلي وفتح شهية السوق على المزيد منالسلع الأجنبية.
في المقابل، تراجعت الصادرات تحت وطأة السياسات الجمركية الأميركية، ما حدّ من قدرة الشركات الهندية على الحفاظ على إيقاعها المعتاد في الأسواق العالمية.
وتفاقمت الصورة مع اتساع الهوة بين الأرقام الفعلية وتوقعات الاقتصاديين، بالتزامن مع حالة عدم اليقين التي تظلل مستقبل اتفاق تجاري محتمل مع الولايات المتحدة. هذا المزيج من الضغوط الداخلية والعوامل الخارجية يضع الاقتصاد الهندي أمام اختبار جديد في إدارة موازين التجارة
بيانات "أكتوبر"
وبحسب أحدث البيانات الصادرة عن وزارة التجارة والصناعة الهندية، الاثنين، فإن:
- الفجوة بين الصادرات والواردات بلغت 41.68 مليار دولار في أكتوبر.. بينما كان العجز في سبتمبر 32.14 مليار دولار.
- العجز أعلى من توقعات الاقتصاديين في بلومبرغ الذين رجّحوا أن يبلغ 30 مليار دولار.
- من المرجح أن يؤدي هذا العجز المرتفع إلى زيادة الضغط على الروبية، التي تُعد ثاني أسوأ العملات أداءً في آسيا هذا العام، بعد أن فقدت 3.5 بالمئة من قيمتها أمام الدولار.
- الصادرات انخفضت بنسبة 11.8 بالمئة في أكتوبر لتصل إلى 34.38 مليار دولار مقارنة بالعام الماضي، في حين ارتفعت الواردات بنسبة 16.6 بالمئة لتبلغ 76.06 مليار دولار.
- انخفضت الشحنات المتجهة إلى الأسواق الأميركية بنحو 12 بالمئة في سبتمبر، بحسب بيانات وزارة التجارة.
السياسات الأميركية
يقول الخبير الاقتصادي، أنور القاسم، لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية":
- تراجع الصادرات الهندية خلال الفترة الأخيرة يرتبط بشكل وثيق بالسياسات الجمركية الأميركية، والتي كان لها تأثير مباشر على تنافسية المنتجات الهندية في الأسواق العالمية.
- الضغوط الناتجة عن هذا التراجع انعكست بوضوح على أداء العملة الوطنية الروبية، التي جاءت ضمن الأسوأ أداء بين العملات الآسيوية خلال العام الجاري.
ويلفت إلى أن الخفض الكبير في ضريبة السلع والخدمات أسهم بدوره في تعميق هذا التراجع، الذي بلغ نحو 12 بالمئة.
يشار إلى أن خفضاً كبيراً في ضريبة السلع والخدمات، دخل حيّز التنفيذ في 22 سبتمبر، أدى إلى تنشيط الاستهلاك خلال موسم المهرجانات وزيادة الواردات، وفقًا لتحليل بلومبيرغ إيكونوميكس، رغم تراجع الصادرات إلى الولايات المتحدة.
ويرى أن التوصل إلى اتفاق تجاري جديد بين الهند والولايات المتحدة قد يشكل خطوة مهمة نحو استقرار الصادرات، مؤكداً في الوقت ذاته أن الهند بحاجة ملحة إلى تنويع وجهات صادراتها لتقليل الاعتماد على سوق واحد أو شريك تجاري رئيسي.
- تراجعت العملة بسبب خروج رؤوس الأموال الأجنبية من أسواق الأسهم، وحالة عدم اليقين بشأن اتفاق تجاري محتمل مع الولايات المتحدة.
- وظلت العملة الهندية قرب أدنى مستوياتها التاريخية عند 88.8050 مقابل الدولار منذ أكتوبر.
قفزة العجز
من جانبه، يقول أستاذ الاقتصاد الدولي، الدكتور علي الإدريسي، لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية":
- قفزة العجز التجاري الهندي إلى 41.7 مليار دولار في شهر أكتوبر الماضي تمثل أحد أعلى مستويات العجز في تاريخ البلاد، وتعكس حالة من الضغوط المركّبة التي واجهها الاقتصاد الهندي خلال هذه الفترة.
- الارتفاع غير المسبوق في الواردات كان المحرك الأبرز لهذا التوسع، حيث سجلت فاتورة الاستيراد حوالي 76 مليار دولار، مدفوعة بزيادة استثنائية في واردات الذهب قبل موسم المهرجانات، إلى جانب ارتفاع واردات النفط الخام نتيجة صعود الأسعار العالمية.
- هذه العوامل أدت إلى ضغط مباشر وسريع على الميزان التجاري.
يوضح الإدريسي أن الصادرات الهندية شهدت تباطؤًا ملحوظًا لتصل إلى 34.3 مليار دولار فقط، نتيجة تراجع الطلب الأميركي بعد فرض رسوم جمركية مشددة على منتجات هندية رئيسية مثل المنسوجات والمجوهرات والروبيان، إضافة إلى ضعف الطلب العالمي على عدد من السلع الهندية. ويبيّن أن هذا التراجع في الصادرات يعني تدفقًا أقل للعملة الأجنبية في وقت ترتفع فيه فاتورة الواردات، وهو ما يعمّق العجز.
كما يشير إلى أن ضغوط سوق الصرف فاقمت الوضع، إذ أدى لجوء المستوردين للتحوط بالدولار مقابل ضعف تحوط المصدرين إلى ضغوط إضافية على الروبية الهندية، التي قد يتسبب انخفاضها في زيادة تكلفة الواردات، وبالتالي اتساع العجز التجاري.
ويؤكد في الوقت نفسه أن استمرار العجز عند هذه المستويات قد ينعكس على عدة مؤشرات اقتصادية مهمة، من ميزان الحساب الجاري واحتياطيات النقد الأجنبي، علاوة على سعر صرف الروبية، و توجهات وسياسات البنك المركزي الهندي.
ويشير إلى أن البنك المركزي قد يجد نفسه مضطراً إلى التدخل لدعم العملة أو اتخاذ إجراءات لتهدئة وتيرة الاستيراد.
ويختتم الإدريسي تصريحه بالتأكيد على أن قطاع الخدمات الهندي القوي لا يزال يلعب دورًا مهما في تخفيف الضغط على الاقتصاد إلا أن القفزة الكبيرة في العجز السلعي تجعل الوضع أكثر حساسيه خلال الأشهر المقبلة، ما يستدعي مراقبة دقيقة وتدخلاً مدروساً من جانب السياسة الاقتصادية.
وفرضت الولايات المتحدة رسوماً جمركية بنسبة 50 بالمئة على السلع الهندية في أغسطس، جزئياً بسبب مشتريات الهند من النفط الروسي وارتفاع الحواجز الجمركية لديها.
وتعكس البيانات الأخيرة تأثير تلك الرسوم الأميركية الكبيرة على الصادرات الهندية للشهر الثاني على التوالي.
لكن مؤخراً، أعرب الجانبان عن تفاؤلهما بقرب التوصل إلى اتفاق من شأنه خفض الرسوم المرتفعة على الصادرات الهندية.
ورغم ذلك تظل النظرة المستقبلية لاقتصاد البلاد "مستقرة". وقالت وكالة موديز للتصنيف الائتماني في بيان قبيل أيام إنها تتوقع أن ينمو اقتصاد الهند بنسبة 6.5 بالمئة حتى عام 2027.
وأضافت الوكالة أن "النمو الاقتصادي في الهند مدعوم بالإنفاق القوي على البنية التحتية والاستهلاك القوي، على الرغم من أن القطاع الخاص لا يزال حذرا بشأن إنفاق رأس المال التجاري" وفق ما نقلته رويترز.
تسارع
إلى ذلك، يشير خبير العلاقات الدولية والاقتصادية، محمد الخفاجي، لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" إلى أن:
- العجز التجاري في الهند شهد تسارعًا ملحوظًا في شهر أكتوبر ليصل إلى نحو 41.7 مليار دولار، وهو المستوى الأعلى بكثير من التوقعات، نتيجة قفزة غير مسبوقة في الواردات مقابل تراجع واضح في الصادرات.
- أبرز أسباب اتساع العجز تمثّلت في الزيادة الكبيرة لواردات الذهب التي بلغت 14.7 مليار دولار مقارنة بـ 9.6 مليارات دولار في سبتمبر، إضافة إلى ارتفاع فاتورة النفط إلى 14.8 مليار دولار، في ظل ضغوطات أميركية متواصلة على نيودلهي لخفض وارداتها من النفط الروسي، الأمر الذي دفع الهند للاعتماد على مصادر بديلة أعلى تكلفة، ما رفع إجمالي الواردات إلى أكثر من 76 مليار دولار.
- الصادرات الهندية تراجعت إلى 34.3 مليار دولار بانخفاض يقارب 12 بالمئة، خاصة نحو الولايات المتحدة التي قلّصت وارداتها من السلع الهندية بنحو 9 بالمئة، بعد فرض واشنطن تعريفات جديدة على قطاعات تشمل النسيج والمجوهرات والجمبري.
ويؤكد أن هذا المزيج من ارتفاع الطلب الداخلي على الواردات مقابل تآكل القدرة التنافسية للصادرات أدى إلى خلق فجوة تجارية تُعد الأكبر منذ سنوات، ما يعكس ضغوطًا متزايدة على الحساب الجاري الهندي وعلى سعر صرف الروبية، ويفتح الباب أمام مراجعة شاملة للسياسات التجارية للهند خلال الفترة المقبلة لضبط التوازن التجاري وحماية استقرار العملة والاقتصاد.
تهديدات أميركية
وكان الرئيس الأميركي دونالد ترامب، قد صعد تهديداته بفرض "عقوبات صارمة" على مشتري النفط الروسي، داعمًا بذلك إجراءات اتخذها الكونغرس الأميركي تتضمن فرض رسوم جمركية بنسبة 500 بالمئة.
وتشير التقارير الصادرة قبل أيام قليلة إلى أنه، خلافًا للرواية المتداولة ، واصلت الهند شراء النفط الروسي. فقد استحوذت الهند على وقود أحفوري بقيمة 3.1 مليار يورو من روسيا الشهر الماضي، مما يجعلها ثاني أكبر مشترٍ بعد الصين، وفقًا لمركز أبحاث الطاقة والهواء النظيف، وفق فايننشال تايمز.
أنفقت الهند 2.5 مليار يورو من هذا المبلغ على النفط الخام، بزيادة قدرها 11 بالمئة عن الشهر السابق. والأهم من ذلك، يشير التقرير إلى أنه في حين استوردت مصافي التكرير الخاصة ثلثي هذا المبلغ، فقد ضاعفت المصافي المملوكة للدولة حجم إنتاجها الشهري تقريبًا في أكتوبر.








