ما هي خطة "AI Plus" التي تقود طموحات الصين في 2026؟
15:19 - 25 ديسمبر 2025
تتعامل الصين مع التكنولوجيا بوصفها مسألة مصيرية، لا مجرّد أداة للنمو أو التفوق الاقتصادي، فمن منظور الرئيس الصيني شي جين بينغ، لا يُقاس صعود الدول أو أفولها بالقوة العسكرية وحدها، بل بقدرتها على امتلاك مفاتيح التحول التكنولوجي في اللحظة المناسبة.
ويستحضر شي في هذا السياق تجربة بلاده المريرة خلال ما يُعرف بـ "قرن الإذلال"، حين أدى التخلف عن مواكبة الثورة الصناعية إلى عقود طويلة من الضعف والتراجع منذ حروب الأفيون في منتصف القرن التاسع عشر وحتى قيام الصين الحديثة عام 1949.
واليوم، وفي ظل سباق عالمي محتدم يتقدّم الذكاء الاصطناعي إلى واجهة الاهتمامات العالمية، باعتباره التكنولوجيا التي قد ترسم ملامح موازين القوى في القرن الحادي والعشرين، فكما غيّرت الآلة البخارية وجه العالم قبل قرنين، ينظر صانعو القرار في بكين إلى الذكاء الاصطناعي على أنه رهان استراتيجي قد يحدد مستقبل الدول، ويعيد تعريف مفاهيم القوة، والإنتاج، والنفوذ على الساحة الدولية.
وهذه النظرة لا تقتصر على الصين وحدها، بل تشمل أيضاً الولايات المتحدة، التي تنظر إلى الذكاء الاصطناعي على أنه مفتاح لتحقيق التفوق التكنولوجي والصناعي وحتى العسكري، وتعتبر أن السيطرة على الخوارزميات المتقدمة والمعالجات المتطورة تمنحها ميزة استراتيجية طويلة الأمد.
مساران مختلفان
ولكن وبحسب تقرير نشرته "ذي إيكونوميست" واطلع عليه موقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، فإنّه رغم اعتراف الصين والولايات المتحدة بأهمية الذكاء الاصطناعي كقوة استراتيجية قادرة على تشكيل موازين القوى المستقبلية، إلا أن كلاً منهما يتخذ مساراً مختلفاً في استراتيجياته لعام 2026، ففي حين تتركز النقاشات في الولايات المتحدة حول احتمالية ظهور "الذكاء الاصطناعي الخارق "، وتعمل المختبرات هناك لتكون أول من يبتكر نموذجاً ذكياً عملاقاً، قادراً على أداء المهام الإدراكية بكفاءة تفوق البشر، تتبنى الصين خطة قوامها تسريع اعتماد نماذج الذكاء الاصطناعي الحالية بين المستهلكين والشركات على حد سواء، مع التركيز على دمج هذه التكنولوجيا بشكل عملي وفعال ضمن الصناعات والخدمات اليومية.
خطة من 3 مراحل
وستتبلور الطموحات الصينية في مجال الذكاء الاصطناعي خلال عام 2026 عند إقرار البلاد للخطة الخمسية في شهر مارس المقبل، وهي أهم وثيقة استراتيجية للدولة.
ومن المتوقع أن تنص الوثيقة على تبني الصين للذكاء الاصطناعي على ثلاث مراحل خلال العقد المقبل، حيث ستتمثل المرحلة الأولى بنشر استخدام الذكاء الاصطناعي على نطاق واسع في ستة مجالات بحلول عام 2027، وهي: البحث العلمي والعمليات الصناعية والمنتجات الاستهلاكية والرعاية الصحية والتعليم والحكومة الرقمية وصادرات التكنولوجيا.
أما المرحلة الثانية، فتقوم على نشر الذكاء الاصطناعي على نطاق واسع في قطاعات مثل الكهرباء و الإنترنت بحلول عام 2030، على أن تُصبح هذه التكنولوجيا حينها محركاً رئيسياً للنمو الاقتصادي في البلاد.
في حين أن المرحلة الثالثة سيتم تنفيذها بحلول عام 2035، وهي تهدف إلى انتقال الصين إلى ما يُعرف بـ"المجتمع الذكي"، حيث من المتوقع أن يكون الذكاء الاصطناعي قد اندمج بشكل كبير في الثقافة البشرية بحلول ذلك الوقت.
الذكاء الاصطناعي Plus
وستُعرف الحملة الصينية الرامية إلى دمج الذكاء الاصطناعي في مختلف القطاعات الاقتصادية، باسم "الذكاء الاصطناعي Plus"، فيما تعمل حكومة بكين أيضاً على إعداد خطة متخصصة تحت عنوان "الذكاء الاصطناعي Plus للطاقة" وذلك لإدارة شبكة الكهرباء الوطنية في البلاد، في محاكاة لخطة "الإنترنت Plus" التي اعتمدتها الصين خلال العقد الماضي، والتي نجحت في دمج خدمة الإنترنت في جميع مجالات الحياة بشكل سريع.
وفي إطار تنفيذ حملة "الذكاء الاصطناعي Plus"، ستتجه مختبرات الذكاء الاصطناعي الرائدة في الصين، نحو تطوير نماذج ذكية مصممة لمعالجة مشكلات محددة، مثل تحسين إدارة العمليات الصناعية، مع متابعة أحدث النماذج الأميركية الداعمة للذكاء الاصطناعي الفائق.
كما ستستغل حملة "الذكاء الاصطناعي Plus"، نقاط القوة الفريدة التي تتمتع بها الصين في هذا المجال، إذ تمتلك اقتصاداً رقمياً ضخماً يُتيح توسيع نطاق تطبيقات الذكاء الاصطناعي، إلى جانب قاعدة شعبية ملمة بالتكنولوجيا، إذ يظهر استطلاع رأي أجرته مؤسسة إيبسوس، أن الصينيين يُبدون حماساً أكبر لاستخدام الذكاء الاصطناعي، مقارنة بأي دولة أخرى في العالم.
الاختلاف الصيني - الأميركي
ويقول المطور التكنولوجي هشام الناطور، في حديث لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إنه يمكن قراءة المقاربة الصينية لانتشار الذكاء الاصطناعي، بوصفها انتقالاً من سباق تقني ضيق إلى مشروع وطني شامل يهدف إلى إعادة تشكيل الاقتصاد والمجتمع معاً، مشيراً إلى أن الفارق الجوهري بين المسارين الصيني والأميركي لا يكمن في مستوى الطموح بل في ترتيب الأولويات.
ويشرح الناطور أنه في حين تركز الولايات المتحدة على القفز نحو الذكاء الاصطناعي الخارق، ومحاولة تحقيق اختراق نظري وتقني قد يغيّر قواعد اللعبة، تراهن الصين على تعظيم العائد الاقتصادي والاجتماعي لتقنيات الذكاء الاصطناعي المتاحة حالياً، وذلك عبر تسريع تبنيها على نطاق واسع داخل المصانع والمؤسسات والخدمات العامة، معتبراً أن هذا النهج يعكس فلسفة صينية ترى أن القوة التكنولوجية الحقيقية لا تُقاس فقط بمن يبتكر النموذج الأقوى، بل بمن ينجح في توظيفه فعلياً داخل الاقتصاد والمجتمع.
رؤية لعقد كامل
ويلفت الناطور إلى أن تنفيذ حملة"AI Plus" في الصين على 3 مراحل، يمنح المشروع بعداً طويل الأمد، ما يُظهر أن بكين لا تتعامل مع الذكاء الاصطناعي كموجة عابرة، بل كمسار تحولي يمتد لـ 10 سنوات يضمن تغلغل هذه التكنولوجيا في القطاعات الاقتصادية والإنتاجية، لافتاً إلى أن هذا التوجه يعكس قناعة صينية بأن الذكاء الاصطناعي، لن يكون مجرد عامل داعم للاقتصاد، بل محركاً رئيسياً لإعادة هيكلته وتعزيز قدرته التنافسية على المدى الطويل، سواء عبر رفع الإنتاجية الصناعية أو تحسين كفاءة سلاسل الإمداد أو حتى خلق قطاعات وأسواق جديدة، قادرة على تعويض تباطؤ محركات النمو التقليدية.
وبحسب الناطور فإن الخطة الصينية لنشر الذكاء الاصطناعي في 2026، تستفيد من نقاط قوة يصعب على دول أخرى تقليدها بسهولة، أبرزها الحجم الضخم للاقتصاد الرقمي الصيني، والقدرة على اختبار الابتكارات الجديدة بشكل سريع ودون قيود تنظيمية، إلى جانب قاعدة سكانية واسعة تتقبل التكنولوجيا الجديدة بحماس، كاشفاً أن حجم الاقتصاد الرقمي الصيني تجاوز حاجز الـ7.7 تريليون دولار أميركي خلال الأشهر الممتدة من نهاية عام 2023 وحتى منتصف عام 2024 ، ما يتيح لبكين الاستفادة من قوة البيانات الضخمة للمستهلكين والشركات لتحسين فعالية تطبيقات الذكاء الاصطناعي وتسريع الابتكار الصناعي والخدماتي.
أداة تخدم الاقتصاد
بدوره يقول المحلل التقني جوزيف زغيب، في حديث لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إن مبادرة "الذكاء الاصطناعي Plus" تمثل محاولة صينية واعية، لتحويل الذكاء الاصطناعي إلى أداة إنتاجية شاملة تخدم الاقتصاد والمجتمع في آن واحد، إذ أدركت بكين مبكراً أن السباق الحقيقي في هذا المجال لا يُحسم فقط عبر امتلاك النموذج الأذكى، بل عبر القدرة على دمج الذكاء الاصطناعي بسلاسة في سلاسل القيمة والعمليات الصناعية والخدمات العامة، كاشفاً أن استلهام تجربة خطة "الإنترنت "Plus، ليس مجرد تشبيه لغوي، بل مؤشر على نية الدولة إعادة إنتاج نموذج ناجح سبق أن حوّل الصين إلى واحدة من أكبر الاقتصادات الرقمية في العالم.
ويلفت زغيب إلى أن تركيز الصين في خطتها على بناء نماذج ذكاء اصطناعي مخصصة لسيناريوهات محددة، مثل إدارة المصانع أو شبكات الطاقة، يعكس فهماً عملياً لتحديات الاقتصاد الحقيقي، حيث تحتاج الشركات والحكومات إلى حلول دقيقة وموثوقة أكثر من حاجتها إلى نماذج فائقة الذكاء والتعقيد، معتبراً أن هذا التوجه قد يسرّع عملية تحقيق عوائد ملموسة من الاستثمار في الذكاء الاصطناعي، ويمنح الصين تفوقاً في مجالات مثل التصنيع الذكي والطاقة والبنية التحتية الرقمية.
عام التحوّل التكنولوجي
ويرى زغيب أن حماس الشعب الصيني لاستخدام الذكاء الاصطناعي، يلعب دوراً في نجاح خطة أو حملة"AI Plus" ، إذ أن قبول المستخدمين للتقنيات الجديدة، إضافة إلى إتاحة الشركات التكنولوجية الصينية لنماذجها مجاناً أو بتكلفة منخفضة بدعم حكومي، يتيح للصين فرصة اختبار وتطوير تطبيقات عملية للذكاء الاصطناعي قبل أي دولة أخرى، ما يعزز من قدرة المؤسسات هناك على دمج هذه التكنولوجيا ضمن عملياتها اليومية بكفاءة أعلى، إلا أن هذا المسار لا يخلو من تحديات، خصوصاً في ما يتعلق بالحوكمة والأخلاقيات وضمان جودة القرارات التي تتخذها الأنظمة الذكية.
ويعتقد زغيب أن عام2026 سيشكّل نقطة تحوّل حقيقية ليس فقط في مسار الذكاء الاصطناعي الصيني، بل في طريقة فهم العالم لكيفية بناء القوة التكنولوجية في القرن الحادي والعشرين، إذ أن بكين قد تُثبت أن السباق لا يُكسب دائماً بالسرعة القصوى، بل بحسن توظيف التكنولوجيا.





