نقاش عالمي حول علاقة الثورة الصناعية الخامسة بالتحول الطاقوي
11:03 - 07 نوفمبر 2025تتقاطع ملامح الثورة الصناعية الخامسة مع مشهد الطاقة العالمي لتفتح آفاقاً جديدة أمام القوى العاملة، وتعيد تعريف العلاقة بين الإنسان والتكنولوجيا.
وفي زمنٍ تتسارع فيه وتيرة التحول الرقمي وتنتشر فيه تطبيقات الذكاء الاصطناعي في كل القطاعات، لم يعد السؤال مقتصراً على كيف ننتج الطاقة، بل على من ينتجها وكيف يُدار هذا التحول ضمن منظومة متكاملة تُعيد صياغة مفاهيم الكفاءة والإبداع والاستدامة.
وتتجه الأنظار إلى الإنسان باعتباره جوهر الثورة الصناعية الخامسة، بعد أن كانت الآلة محور الثورة الرابعة. ومن شأن هذا التحول الجوهري أن يعيد توزيع الأدوار بين التقنيات الذكية والعنصر البشري، حيث تتسع الحاجة إلى الكفاءات القادرة على الجمع بين التفكير الإبداعي ومهارات التعامل مع الأنظمة الرقمية المتقدمة.
ومع صعود الطاقة النظيفة والذكاء الاصطناعي كقوتين محركتين للاقتصاد العالمي، أصبح تطوير المواهب واستقطاب الكفاءات والاحتفاظ بها شرطاً أساسياً لإنجاح أي مشروع طاقوي مستدام.
في هذا السياق، ناقش خبراء الاقتصاد والطاقة في مؤتمر أديبك كيف يغيّر التقاطع بين الثورة الصناعية الخامسة وقطاع الطاقة شكل أسواق العمل المستقبلية، وما الذي يعنيه ذلك للمؤسسات والحكومات على حد سواء.
من إعادة تدريب الملايين من العاملين، إلى تمكين الأجيال الجديدة من قيادة التحول الطاقوي والرقمي، رسم هذا النقاش ملامح عصر جديد تتوحد فيه التكنولوجيا والإنسان في معادلة واحدة: معادلة البقاء والابتكار.
خلال جلسة بعنوان "تحوّل المواهب في عصر الطاقة 5.0"، ناقش الخبراء كيف يؤثر تقاطع الثورة الصناعية الخامسة مع قطاع الطاقة على تطوير المواهب، واستقطاب الكفاءات، والحفاظ عليها.
واستعرض الرئيس التنفيذي للابتكار في شركة Cisco، الدكتور غاي ديدريش، كيف ستُحدث تقنيات الذكاء الاصطناعي والتحول الرقمي تغييرات جذرية في سوق العمل، وقال:
- "في الوقت الحالي، هناك 92 مليون وظيفة ستتأثر خلال السنوات الثلاث المقبلة بسبب التكنولوجيا".
- "لكن في المقابل، سيتم خلق 170 مليون وظيفة جديدة، وستتطلب مهارات مختلفة".
- "تقع علينا مسؤولية إعادة تدريب أولئك الـ92 مليون، وتدريب 80 مليون باحث عن عمل جديد على وظائف الجيل القادم".
توظيف الذكاء الاصطناعي
وتعليقاً على ذلك، يقول خبير اقتصاديات الطاقة، نهاد إسماعيل، لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" إنّ الثورة الصناعية الخامسة تُعدّ امتداداً طبيعياً للثورة الرابعة، لكنها في الوقت نفسه تمثل مرحلة أكثر نضجاً تركّز على الإنسان بوصفه محور العملية الإنتاجية والتكنولوجية.
ويُوضح أنّ التناغم بين الإنسان والتقنيات المتقدمة هو من أبرز مبادئ هذه الثورة، إذ يبقى العنصر البشري الركيزة الأساسية في مسار التحول الرقمي وتوظيف الذكاء الاصطناعي والروبوتات لتعزيز المرونة والاستدامة.
ويُشير إلى أنّ المؤسسات التقنية الرائدة تعمل اليوم على تمكين القوى العاملة بالأدوات الحديثة لرفع القدرات وتقليص الأعمال الروتينية، مع خلق بيئة عمل آمنة تمكّن العاملين من استباق الأزمات والتعامل مع الاضطرابات غير المتوقعة.
ويُضيف إسماعيل أنّ الثورة الصناعية الخامسة تعتمد على تقنيات الذكاء الاصطناعي والتحول الرقمي لتطوير قطاعات الطاقة والصناعة والصحة والزراعة، ما يسهم في رفع كفاءة الطاقة وتقليل الاعتماد على المصادر الأحفورية التقليدية لصالح الطاقة المتجددة.
ويؤكد أنّ كفاءة مصادر الطاقة تلعب دوراً محورياً في تحسين الإنتاجية وخفض التكلفة وتعزيز الاستدامة الاقتصادية، مشيراً إلى أنّ الطاقة تمثل العمود الفقري للتنمية الصناعية الحديثة.
ويُشدد إسماعيل على أهمية إعادة تأهيل وتدريب العاملين لاكتساب المهارات المطلوبة لمواكبة التطورات المتسارعة، موضحاً أنّ هذه القضايا كانت محورًا رئيسيًا للنقاش خلال مؤتمر أديبك الذي انعقد مؤخرًا في الإمارات.
الطاقة والثورة الصناعية الخامسة
من جانبه، يقول الخبير الاقتصادي، عامر الشوبكي، لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية":
- يشهد العالم اليوم تداخلاً غير مسبوق بين قطاع الطاقة والثورة الصناعية الخامسة، وهي ثورة تعيد الاعتبار للإنسان داخل منظومة التكنولوجيا.
- بعد أن ركّزت الثورة الصناعية الرابعة على الأتمتة والذكاء الاصطناعي، جاءت الثورة الخامسة لتدمج بين الإبداع البشري والتقنيات الذكية في علاقة تكاملية لا تنافسية.
- هذا التداخل العميق يعيد صياغة مفاهيم تطوير المواهب واستقطاب الكفاءات والاحتفاظ بها، لا سيّما في منطقتنا العربية التي تشهد تحولاً متسارعاً نحو الطاقة النظيفة والرقمنة الصناعية.
ويلفت إلى التقديرات الراهنة المرتبطة بعدد الوظائف في قطاع الطاقة عالمياً، وهي الأرقام التي تؤكد أن الاستثمار الحقيقي أصبح في الإنسان لا في الوقود نفسه، وأن المهارة المطلوبة اليوم تكمن في التفكير في الآلة لا مجرد تشغيلها، من خلال تحليل البيانات وتسخير الذكاء الاصطناعي لتحسين الكفاءة وخفض الانبعاثات.
ويشير الشوبكي إلى أن شركات الطاقة الكبرى في الخليج، مثل أرامكو السعودية وشركتَي مصدر وأدنوك في الإمارات، أدركت مبكراً أهمية هذا التحول ودمجت تقنيات الذكاء الاصطناعي والتوأم الرقمي في عملياتها اليومية، ما أسهم في جذب الخبرات العالمية وإعادة تعريف بيئة العمل في قطاع الطاقة.
ويوضح أن الثورة الصناعية الخامسة لا تعني الروبوتات فقط، بل تشمل بناء ثقافة مؤسسية تمنح المهندسين والباحثين فرص التعلم المستمر ومسارات مهنية في مجالات مثل الهيدروجين الأخضر، الشبكات الذكية، التخزين، والأمن السيبراني. فالمؤسسة التي تستثمر في تطوير موظفيها تخلق ولاءً حقيقياً يتجاوز الحوافز المادية.
ويبيّن الشوبكي أن التحدي الأكبر أمام الشركات اليوم هو الاحتفاظ بالكفاءات، إذ يغادر كثير من الخبراء العرب إلى أوروبا أو أميركا أو آسيا بحثاً عن بيئات أكثر احتضاناً للابتكار. والحلّ، برأيه، لا يكمن فقط في رفع الأجور، بل في بناء منظومات ابتكار داخلية تمكّن العقول العربية من الإبداع داخل أوطانها.
ويؤكد أن استقرار التشريعات ووضوح الرؤية في سياسات الطاقة من أهم عوامل الحفاظ على المواهب، لأن المواهب مثل الاستثمارات تبحث عن بيئة آمنة وواضحة. فالتأخير أو الغموض في المشاريع يولّد الإحباط ويدفع الكفاءات إلى المغادرة.
جذب المواهب
وفي السياق، تقول استاذة الاقتصاد والطاقة بالقاهرة، الدكتورة وفاء علي، لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية":
- "لا شك أن مآلات مشهد التحول الرقمي وآليات الثورة الصناعية الخامسة تصنع المشهد بامتياز، مع تفاعل العوامل المؤثرة في التقاطع الذهبي بين القوة التحويلية للتحول الرقمي والذكاء الاصطناعي، ومرونة ملف الطاقة العالمي في جمع المواهب والمبتكرين حول التحول الطاقوي والدفع نحو الاستدامة الشاملة".
- "الذكاء الاصطناعي أصبح اليوم جزءاً رئيسياً من استراتيجية التحول الاقتصادي، مما أسّس لنموذج متكامل قائم على المعرفة والابتكار".
- "الثورة الصناعية الخامسة تشكل حالة من الصحوة الصناعية في قطاع الطاقة، إذ يُقدّر أن نحو 92 مليون وظيفة ستتأثر بسبب التكنولوجيا، في مقابل ظهور 170 مليون وظيفة جديدة".
- المرحلة المقبلة تتطلب تدريب وتأهيل أكثر من 80 مليون شخص حول العالم لتمكين الكوادر من قيادة مسارات التحول العالمي نحو الطاقة النظيفة والاستدامة الرقمية.
وتتابع قائلة: "إن هذا الحراك العالمي يضع مراكز البيانات والابتكار في صميم استراتيجية التحول الطاقوي، ويعزز التكامل بين المستثمرين والمبتكرين والمنتجين في سبيل مستقبل أكثر استدامة وكفاءة".
وتختتم حديثها بالتأكيد على أن "العالم مقبل على مرحلة جديدة يتقاطع فيها الذكاء الاصطناعي والطاقة في معادلة البقاء والنماء، نحو اقتصاد أكثر توازنًا واستدامة".
دمج التكنولوجيا
ومن جانبه، يقول الرئيس التنفيذي لمركز كوروم طارق الرفاعي، لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية":
- الثورة الصناعية الخامسة تركز على دمج التكنولوجيا المتقدمة مع العمل المتمحور حول الإنسان.
- الشركات في هذا العصر بحاجة إلى أفراد قادرين على العمل جنباً إلى جنب مع الأتمتة والذكاء الاصطناعي وأنظمة الطاقة النظيفة، لا أن تُستبدل بهم.
- هذا التحول يعيد توجيه جهود تنمية المواهب نحو مهارات التفكير النقدي، ومحو الأمية الرقمية، والتفكير النظمي، وحل المشكلات متعددة التخصصات.
ويتابع الرفاعي موضحاً أن قطاع الطاقة، وخاصة في مجالات الطاقة المتجددة وتحديث الشبكات، يشهد طلباً متزايداً على المهندسين والفنيين ومحللي البيانات ومديري المشاريع. ونظراً لأن هذه المجالات تتطور بسرعة، يؤكد على أن أصحاب العمل مطالبون بتوفير فرص التعلم المستمر، ومسارات نمو مهنية واضحة، ودعم الحصول على الشهادات المهنية إذا كانوا يسعون إلى الاحتفاظ بالعمال المهرة.
ويختتم الرفاعي بالتأكيد على أن الاحتفاظ بالموظفين يبدأ من ثقافة المؤسسة نفسها، موضحاً أن العمال اليوم يتوقعون المرونة، والأجر العادل، والعمل الهادف، والاستثمار الحقيقي في تطويرهم. ويشير إلى أن الشركات التي تتعامل مع المواهب كشركاء استراتيجيين على المدى الطويل، وليست مجرد موارد بشرية، هي الأكثر قدرة على بناء فرق عمل مستقرة ومبدعة.







