8.6 تريليون دولار ديون..فرنسا تبحث عن خلاص اقتصادي
18:36 - 10 ديسمبر 2025
أنهى البرلمان الفرنسي معركة محتدمة بإقرار ميزانية الضمان الاجتماعي للعام القادم، بأغلبية ضئيلة من المشرعين، مما منح رئيس الحكومة نصراً حاسماً، لكنه جاء بتكلفة سياسية باهظة بعد خسارة أقرب الحلفاء. الميزانية تبلغ 814 مليار دولار، ما يعادل حجم اقتصاد النمسا واليونان مجتمعين، وتشمل الإنفاق على الصحة والتقاعد والبطالة والمساعدات الأسرية.
ويتعاظم التحدي مع ارتفاع إجمالي ديون فرنسا العامة والخاصة إلى 8.6 تريليون دولار، بمعدل زيادة يبلغ 450 ألف دولار كل دقيقة، بينما يعاني 11 مليون فرنسي من الفقر، و3 ملايين من البطالة. هذه الأرقام تعكس هشاشة الوضع الاقتصادي والاجتماعي رغم ضخامة الإنفاق.
القطاع الخاص يواجه ضغوطاً متزايدة، مع إعلان إفلاس 60 ألف شركة منذ بداية العام، وهجرة 800 مليونير من فرنسا خلال الفترة نفسها، في مؤشر على تراجع الثقة في الاقتصاد الوطني.
ورغم الانتصار في تمرير ميزانية الضمان الاجتماعي، يواجه رئيس الحكومة اختباراً أصعب مع الميزانية العامة المرتقبة خلال أسبوعين، والتي سبق أن أدت إلى إسقاط ثلاثة حكومات سابقة. الحفاظ على العجز عند أقل من 5 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي، وإصلاح مؤسسات الدولة، وتأمين إمدادات الطاقة والزراعة، وتعزيز الأمن الداخلي والخارجي ستكون معادلة معقدة، وقد تحدد مستقبل الحكومة القادمة.
في مقابلة مع برنامج "بزنس مع لبنى" على سكاي نيوز عربية، ألقى الخبير الاقتصادي والمتحدث الرسمي باسم حزب الاستعادة الفرنسي، د. جان مسيحة، الضوء على الوضع السياسي والاقتصادي المعقد في فرنسا.
الانتصار البرلماني مؤقت: معركة وليست حرباً
أكد مسيحة خلال حديثه أن الحكومة الفرنسية حققت فوزاً برلمانياً محدوداً، لكنه فوز مؤقت لا يعكس حلاً للأزمة الكلية.
وقال: "انتصرنا على أول لغم برلماني، لكن هذا لا يعني أن الحرب انتهت"، مشيراً إلى أن التصويت المرتقب بعد أسبوعين على الميزانية بأكملها سيختبر مجدداً استقرار الحكومة وقدرتها على إدارة البلاد. وأضاف أن الرئيس إيمانويل ماكرون يرفض الاستقالة، معتبراً أن بقاؤه في السلطة يهدف لإثبات وجوده السياسي رغم رفض الشعب.
وأوضح مسيحة أن الحكومة ليست معنية بمصلحة الدولة أو الشعب، بل بالسعي لاستمرارها في الحكم، وهو ما يثير غضب المواطنين الذين يرون أن مصالحهم الاقتصادية والاجتماعية مُهملة لصالح الحفاظ على السلطة.
المخاطر الاقتصادية: عجز مالي على شفير الانفجار
وحذر الخبير الاقتصادي من تداعيات العجز المالي الذي تواجهه فرنسا، مشيراً إلى أن 60 بالمئة من الدين الفرنسي مملوك للمستثمرين الأجانب، ما يجعل البلاد غير مستقلة مالياً ويزيد من هشاشة الاقتصاد أمام أي ارتفاع في أسعار الفائدة. وقال: "أي زيادة في الفائدة تعني ارتفاعاً في الدين العام والميزانية العامة بأكملها".
وأضاف أن الحكومة، بسبب تركيزها على البقاء في السلطة، لن تتخذ أي إجراءات إصلاحية صارمة لمعالجة العجز المالي أو تعزيز النمو الاقتصادي. وأشار إلى أن هذا الوضع يشكل "بركاناً" يمكن أن ينفجر في أي لحظة، محذراً من أن استمرار السياسات الحالية سيضاعف الضغوط على الاقتصاد الفرنسي ويهدد الاستقرار الاجتماعي.
الاقتصاد الفرنسي يحاول حماية نفسه
ورغم هذا المناخ السياسي المتقلب، أشار مسيحة إلى قدرة بعض الشركات على التكيف جزئياً مع حالة عدم الاستقرار.
وذكر أن البنك المركزي الفرنسي أصدر إحصائيات جديدة تشير إلى توقعات نمو أعلى من المتوقع، ما يعكس أن الشركات بدأت تأخذ في الحسبان الذبذبة السياسية وتأثيرها على الأسواق. وأوضح أن هذا التكيف لا يعني أن الأزمة انتهت، لكنه يشير إلى أن الاقتصاد الفرنسي يمتلك آليات محدودة لحماية نفسه من الانهيار التام.
الأزمة الأوروبية وموجة الرفض الشعبي
وسلط مسيحة الضوء على أثر المشروع الأوروبي على الدول الأعضاء، مشيراً إلى أن حلم اليورو في تحقيق النمو وخفض البطالة لم يتحقق، وأن الدول الأوروبية تواجه اليوم مستويات عالية من الديون وانعدام الأمن الاقتصادي والاجتماعي والمالي. وأضاف: "الشعوب الأوروبية التي روجت للمشروع الأوروبي هي أول الضحايا الآن".
وأشار إلى أن هذا الواقع يفسر صعود القوى اليمينية القومية في الانتخابات الأوروبية، مستشهداً بتجربة الجمهورية التشيكية التي فاز فيها رئيس وزراء جديد من اليمين الوطني. ويرى أن رفض الشعوب للوحدة الأوروبية يعكس شعوراً متزايداً بأن الحكومات الأوروبية تعطي الأولوية لمصالح خارجية على حساب رفاهية المواطنين.
السياسة الخارجية على حساب الداخل
وانتقد مسيحة السياسة الفرنسية التي تركز على تقديم مساعدات خارجية، مثل دعم أوكرانيا واستقبال المهاجرين، في حين تتجاهل المشاكل الداخلية للمواطن الفرنسي. وقال: "الشعب الفرنسي متمرد على حكومته لأنها تعطي الأولوية للخارج بدل أولاد الوطن". وأوضح أن هذا النهج يزيد من الاستياء الشعبي ويعزز مشاعر الغضب تجاه الحكومة، ويعيد ترتيب الأولويات السياسية في البلاد على حساب الاقتصاد والاستقرار الداخلي.
حكمة سياسية أم فشل اقتصادي؟
في تحليل شامل للوضع، أكد د. جان مسيحة أن الحكومة الفرنسية تسعى للحفاظ على وجودها السياسي على حساب الاقتصاد والاستقرار الاجتماعي، وأن الانتصارات البرلمانية المؤقتة لا تعكس حلاً للأزمة العميقة التي تعصف بالبلاد. وبينما يحاول الاقتصاد التكيف جزئياً، يبقى المستقبل المالي والاجتماعي لفرنسا هشاً ومشحوناً بالمخاطر، وسط تحديات متزايدة على صعيد الدين العام والسياسات الأوروبية والضغوط الداخلية.






