الـAI يقتحم البحار.. هل يكون طوق النجاة لصناعة الشحن؟
13:53 - 18 سبتمبر 2025
تواجه صناعة الشحن البحرية تحدياً متصاعداً مع الارتفاع المقلق في عدد الحرائق المميتة، التي تندلع على متن السفن في عرض البحر، وهي حوادث لا تخلّف خسائر بشرية فحسب، بل تهدد أيضاً سلاسل الإمداد والتجارة الدولية.
فمع تزايد الشحنات البحرية التي تضم مواد قابلة للاشتعال، أصبح من الواضح أن الأساليب التقليدية في الرقابة والتفتيش، لم تعد كافية لردع هذه المخاطر، ولكن يبدو أن حل هذه المشكلة الكبيرة بات أقرب من أي وقت مضى، حيث يتجه قطاع الشحن البحري العالمي، نحو الاعتماد على أدوات الذكاء الاصطناعي، لرصد التهديدات المحتملة قبل أن تتحول إلى كوارث.
عدد الحرائق في 2024
ووفقاً لتقرير "السلامة والشحن لعام 2025" الصادر عن شركة أليانز، فقد بلغ عدد حوادث الحرائق المُبلّغ عنها على متن السفن حوالي 250 حادثة في عام 2024، وهو أعلى مستوى تم تسجيله في عقد من الزمان، حيث كانت الشحنات المُصرّح بها بشكل خاطئ "المصدر الرئيسي" للقلق بين شركات النقل.
وحذّر تقرير أليانز من أن تضخم أحجام سفن الحاويات، جعل مكافحة الحرائق على متنها أكثر تعقيداً، في حين أن تزايد عدد الشحنات التي تحتوي على بطاريات ومواد قابلة للاشتعال قد زاد أيضاً من المخاطر، علماً أن التوقعات تشير إلى تضاعف الطلب على بطاريات الليثيوم أيون بحلول عام 2030، ليصل إلى 322 مليار دولار، وهو الأمر الذي يستوجب صناعة الشحن البحري، إيجاد حلّ سريع لمشكلة الحرائق التي قد تنتج عن نقل هذا النوع من البضائع.
تحول في سلامة الشحن البحري
وبحسب تقرير أعدته صحيفة "فايننشال تايمز"، واطّلع عليه موقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، فإن قطاع الشحن البحري العالمي، يتجه إلى تسخير تقنيات الذكاء الاصطناعي للحد من الحرائق المميتة في عرض البحر، حيث أعلن المجلس العالمي للشحن وهو الهيئة المعنية بهذا القطاع، عن إطلاق أداة مبتكرة مدعومة بالذكاء الاصطناعي، قادرة على مسح ملايين حجوزات الحاويات بشكل آني باستخدام تقنيات التعرف على الأنماط والخوارزميات الذكية، وذلك لرصد البضائع ذات المخاطر المحتملة قبل أن تتحول إلى كوارث.
وفي حال اكتشفت هذه الأداة شحنات مصنّفة بشكل خاطئ أو تحتوي على مواد خطرة، فستقوم بإبلاغ شركات النقل بالمخاطر المحتملة، وذلك لإجراء عمليات تفتيش فعلية عند الضرورة.
شركات الشحن تتبنى الأداة
ووفقاً لما كشفه جو كراميك، الرئيس التنفيذي للمجلس العالمي للشحن، فإن شركات الشحن التي تُمثل 70 في المئة من سعة شحن الحاويات العالمية، قد اختارت الانضمام لهذا النظام الجديد، لافتاً إلى أن العالم شهد عدة حوادث مأساوية بسبب الحرائق الناتجة عن البضائع التي تم تصنيفها بشكل خاطئ، بما في ذلك خسائر في الأرواح.
كما لاقت مبادرة الذكاء الاصطناعي ترحيباً من قطاع التأمين البحري، إذ أعربت المجموعة الدولية لنوادي الحماية والتعويض، التي توفر مجتمعةً تغطية عن نحو 90 في المئة من حمولة العالم البحرية، عن دعمها للمخطط وحثّت الشركات على اعتماده على نطاق واسع في قطاع شحن الحاويات.
وتُظهر بيانات المجلس العالمي للشحن، أن عدم إعلان وكلاء الشحن عن البضائع الخطرة، إما عن طريق الخطأ أو لتجنب الرسوم المرتفعة على الشحنات الخطرة، كان السبب الرئيسي لارتفاع الحرائق على متن سفن الشحن في الآونة الأخيرة.
مشكلة إخفاء نوع البضائع
ويكشف راهول خانا، الرئيس العالمي لاستشارات المخاطر البحرية في شركة أليانز كوميرشال، أن التصريح الخاطئ عن البضائع، كان مشكلةً لسنوات عديدة في عالم الشحن البحري، فمثلاً قد تقوم شركات الشحن بالإعلان عن أن شحناتها تحتوي على "قطع غيار كمبيوتر" بدلًا من مواد خطرة، وذلك لتجنب تكاليف إضافية، مشدداً على أن برامج الذكاء الاصطناعي ستقوم بمسح الحاويات وسترصد الأنماط والاختلالات، بالإضافة إلى التعلم من الأحداث السابقة، مما يزيد من قوة الأداة بمرور الوقت.
ويلفت خانا إلى أن الجميل في الأمر هو أنه إذا اكتشفت أداة الذكاء الاصطناعي، على سبيل المثال، أن "ألعاب الأطفال" قد استُخدمت سابقاً كتصريح خاطئ وبديل عن نقل ألعاب نارية، فإنها ستُجري تدقيقاً أعمق في هذه الشحنة، من خلال الرجوع إلى البيانات السابقة لتحديد الأخطاء أو الحيل التي قد يُعاد استخدامها.
كيف ستعمل الأداة؟
ويقول المحلل والخبير في التكنولوجيا والأمن السيبراني هشام الناطور، في حديث لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إن الأداة المدعومة بالذكاء الاصطناعي ستعمل كـ"رادار رقمي" متطور، لمسح ملايين الحجوزات البحرية عن بُعد وبشكل لحظي، مستخدمةً تقنيات التعرف على الأنماط وتحليل البيانات الضخمة، حيث ستقوم الخوارزميات الذكية بمقارنة تفاصيل الشحنات مثل أوصاف البضائع ورموز الشحن وأسماء الموردين، مع قواعد البيانات التي تمتلكها، فإذا رصدت مؤشرات مريبة أو أوصافاً تُستخدم عادةً كغطاء لنقل بضائع خطرة، فستقوم بإنذار شركة النقل وإلزامها بضرورة إجراء تدقيق ميداني شامل على هذه الشحنة.
التزام شركات الشحن
ويكشف الناطور أن المميز في هذه الأداة، هو أنها تتعلم باستمرار، أي أن كل حادثة يتم رصدها أو تفاديها تصبح مرجعاً يزيد من دقة وفعالية النظام في المستقبل، مما يقلل من احتمالية تكرار الأخطاء أو الثغرات، ولكن يبقى العامل الأهم هو تبنّي شركات الشحن للنظام الجديد بشكل جدي، فأداة الذكاء الاصطناعي ستعمل "عن بُعد" أي أنها لا تتطلب وجود فرق فنية أو تفتيشية على متن كل سفينة لمراجعة الشحنات بشكل مباشر، وبالتالي فإن دقة الأداة وقدرتها على التمييز بين البضائع الخطرة وغير الخطرة يتعلق بمدى إلتزام شركات الشحن بمشاركة المعلومات بشفافية والاستجابة السريعة للتنبيهات التي يصدرها النظام.
تحوّل يحمي التجارة العالمية
ويرى الناطور أن اعتماد قطاع الشحن البحري على أدوات الذكاء الاصطناعي، لرصد التهديدات المحتملة يشكّل نقلة نوعية في معايير السلامة البحرية، إذ يساهم في تقليل خطر الحرائق الكارثية ويُخفّض التكاليف والخسائر الناجمة عن الحوادث، كما يعزز مستوى الشفافية والمسؤولية بين وكلاء الشحن والمستوردين، لافتاً إلى أن هذه الأداة ستدعم استدامة التجارة العالمية من خلال بناء منظومة أكثر أماناً، وهي ستكون بمثابة تحوّل استراتيجي يضع الذكاء الاصطناعي، في صميم حماية التجارة البحرية العالمية، وضمان استمرارها بأقل المخاطر الممكنة.
الوقاية الاستباقية
من جهتها تقول الكاتبة في شؤون الاقتصاد رلى راشد، في حديث لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إن إدخال أدوات الذكاء الاصطناعي إلى قطاع الشحن البحري، يمثل تحولاً جوهرياً في الطريقة التي نتعامل بها مع واحدة من أكثر القضايا إلحاحاً في الصناعة، وهي الحرائق المميتة على متن السفن، فالشحن البحري ينقل أكثر من 80 في المئة من تجارة العالم، ما يعني أن أي خلل في منظومة عمله، ينعكس فوراً على الأسواق وأسعار السلع وسلاسة تدفق التجارة، مشددةً على أن أدوات الذكاء الاصطناعي ستعيد تعريف مفهوم "الوقاية"، في قطاع الشحن البحري ليصبح استباقياً وذكياً، بدلاً من كونه رد فعل بعد وقوع الكارثة.
قواعد جديدة على الوكلاء والمستوردين
وتلفت راشد إلى أنه على المستوى القانوني والتشريعي، ستفتح هذه التكنولوجيا الباب أمام معايير تنظيمية جديدة، فبمجرد وجود نظام قادر على كشف التصاريح المضللة يعني أن حجة "لم نكن نعلم" لم تعد مقبولة قانونياً، وهذا ما سيضع ضغوطاً إضافية على وكلاء الشحن والمستوردين للالتزام الصارم بالقوانين، وسيغير طبيعة المحاسبة في حال وقوع حادث، كاشفةً أن الذكاء الاصطناعي سيوفّر على الشركات، تكاليف غير مباشرة لم تكن محسوبة سابقاً، فالحرائق البحرية تؤدي إلى تعطيل مسارات شحن كاملة، وتأخير تسليم البضائع، وإعادة توجيه سفن أخرى لتفادي الخطر، حيث أن جميع هذه التكاليف "الخفية" يمكن تجنّبها عندما يكون هناك نظام قادر على التدخل المبكر.
ميزة تسويقية تنافسية
وتعتبر راشد أن الشركات التي تتبنى هذا النظام الجديد مبكراً، ستستفيد من ميزة تسويقية كبرى، إذ ستقدّم نفسها كسفن وشركات أكثر أماناً وأكثر التزاماً بالاستدامة، في سوق أصبح المستوردون فيه، يولون أهمية كبرى لمعايير السلامة والبيئة، قد يتحول الذكاء الاصطناعي من مجرد خيار إلى شرط تنافسي للبقاء.








