الاقتصاد الأميركي في عام.. خطاب متفائل وأرقام متحفظة
13:24 - 25 ديسمبر 2025
يسعى الرئيس الأميركي دونالد ترامب، مع اقتراب عامه الأول في ولايته الثانية من نهايته، إلى ترسيخ رواية اقتصادية تقوم على استعادة الزخم وتعويض ما يصفه بإرث ثقيل من الاختلالات، في وقت تتكثف فيه الخطابات السياسية وتزداد محاولات طمأنة الشارع الأميركي بشأن المسار الاقتصادي العام.
يأتي هذا الخطاب في ظل مرحلة دقيقة يمر بها الاقتصاد الأميركي، تتداخل فيها المؤشرات الكلية مع اعتبارات المعيشة اليومية، بينما تفرض التطورات النقدية والتجارية نفسها على النقاش العام، وسط تساؤلات متزايدة حول مدى انعكاس السياسات المتبعة على مستويات الأسعار، وسوق العمل، وثقة المستهلكين.
ويأتي هذا المشهد أيضاً فيما تدخل الإدارة الأميركية اختباراً سياسياً مبكرًا مع اقتراب انتخابات التجديد النصفي، حيث يتحول الأداء الاقتصادي إلى عامل حاسم في تشكيل المزاج العام، بين وعود بالازدهار، وانتظار نتائج ملموسة، في حصاد أولي لا يزال مفتوحًا على قراءات متباينة.
إرث بايدن
وحاول الرئيس الأميركي دونالد ترامب، في خطاب مباشر ألقاه ليل الأربعاء الخميس من البيت الأبيض، إقناع الشعب الأميركي بأن قلقه بشأن الاقتصاد ليس في محله، مؤكدا أن أي تحديات قائمة يجري إصلاحها، وواعدا بتحقيق "ازدهار اقتصادي" في العام 2026.
واعتبر ترامب أن إدارته حققت خلال الأحد عشر شهرا الماضية نجاحات كبيرة، مضيفا: "لديكم الآن رئيس يجعل هذا البلد يعمل".
وقال ترامب: "قبل 11 شهرا، وَرِثتُ تركة مثقلة بالأزمات، وأنا الآن بصدد إصلاحها"، وذلك تأكيداً لنهج الإدارة الأميركية في إلقاء اللوم على إدارة بايدن في أزمات الاقتصاد.
وكان ترامب في حواره مع صحيفة "وول ستريت جورنال" قد ذكر أنه صنع "أعظم اقتصاد في التاريخ"، لكن أثره لم يظهر بعد.
قبيل أيام، وفي كلمة له بولاية بنسلفانيا، وتحت لافتة كُتب عليها "أسعار أقل، رواتب أكبر"، تحدث نائب الرئيس الأميركي، جيه دي فانس، رافضاً تقريراً مخيباً للآمال عن الوظائف، وألقى باللوم في التضخم المستمر في أميركا على الرئيس السابق جو بايدن.
قال فانس: "نحن نقاتل من أجلكم كل يوم، ولا أريدكم أن تعتقدوا ولو للحظة واحدة أننا ننسى ذلك لأن جو بايدن أعطانا أسوأ اقتصاد في العالم"، مضيفاً: "أعدكم بأنه لا يوجد شخص أكثر نفاد صبر لحل أزمة القدرة على تحمل التكاليف من دونالد جيه ترامب، رئيس الولايات المتحدة"، بحسب ما نقله تقرير لصحيفة "فايننشال تايمز"، سلط الضوء على حجج وأدوات إدارة ترامب في الدفاع عن سياساتها الاقتصادية.
بعد مرور عام تقريباً على تولي ترامب منصبه للمرة الثانية، أتاح خطاب فانس في ولاية متأرجحة حاسمة لنائب الرئيس فرصة للعودة إلى الحملة الانتخابية واختبار قدرته على جذب التصفيق أمام مئات المؤيدين.
ولكن مع تبقي أقل من عام على انتخابات التجديد النصفي، حيث ستكون السيطرة على مجلسي الكونغرس على المحك، كشف حدث يوم الثلاثاء الماضي أيضاً عن التحديات السياسية التي تواجه إدارة ترامب.
كشف حساب واقعي
من جانبه، يقول رئيس قسم الأسواق العالمية في شركة Cedra Markets، جو يرق، لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية":
- عند إجراء "كشف حساب واقعي" لأداء الرئيس الأميركي دونالد ترامب اقتصادياً حتى الآن، لا يمكن الحديث عن نجاحات ملموسة على أرض الواقع.
- الرئيس ترامب يروج لخطاب يقوم على خفض الأسعار وقوة سوق العمل وتحسن الاقتصاد الأميركي، إلا أن الأرقام الفعلية تعكس صورة مغايرة.
- ثمة ضعف واضح في قطاع التوظيف، إلى جانب استمرار معدلات التضخم المرتفعة، لا سيما في ظل الحرب التجارية التي انتهجها، حيث لا تزال معدلات التضخم تدور قرب 3 بالمئة رغم التخفيضات المعلنة، في وقت لم يتجاوز فيه نمو الاقتصاد الأميركي مستوى 2 بالمئة.
- هذه العوامل مجتمعة لم تكن داعمة للاقتصاد.
- استطلاعات الرأي تظهر تراجع الثقة بالسياسات الاقتصادية، إذ يحمل نحو ثلث الأميركيين هذه السياسات مسؤولية التباطؤ، مع تسجيل نسب تأييد تُعد من الأدنى منذ انتخاب ترامب.
ويتابع يرق: بعض السياسات المتخذة قد تحتاج إلى وقت أطول لقياس أثرها الحقيقي، وربما يظهر ذلك بشكل أوضح في مراحل لاحقة، إلا أن التقييم الحالي يشير إلى تضاعف الضغوط على سوق العمل وتباطؤ النمو الاقتصادي، خاصة في ظل تداعيات الحرب التجارية والقرارات المتقلبة، ما بين رفع وتجميد وتوقيف الإجراءات، وهو ما انعكس سلبًا على ثقة الأسواق.
ويؤكد أن مستويات المعيشة في الولايات المتحدة لا تزال مرتفعة، مع تزايد أعداد من هم دون خط الفقر، وتراجع قوة الطبقة المتوسطة، إضافة إلى استمرار التضخم عند مستويات عالية، وهو ما يضغط على التوجه الاقتصادي العام للإدارة الأميركية ولا يخدم أهدافها.
ويختتم يرق حديثه بالقول إن هذه الأوضاع دفعت الرئيس ترامب إلى تكثيف ضغوطه على الاحتياطي الفيدرالي الأميركي لخفض أسعار الفائدة، في محاولة لتحفيز الاقتصاد وتسريع عجلة النمو، إلا أن النتائج حتى الآن لا تزال محدودة.
شعبية على المحك
تُظهر استطلاعات الرأي تراجعاً في رضا الناخبين عن إدارة الرئيس للاقتصاد. فقد وصف سبعة من كل عشرة بالغين أميركيين الوضع الاقتصادي بالسيئ، بينما أعرب 31 بالمئة فقط عن رضاهم عن تعامل ترامب مع الاقتصاد، وفقاً لاستطلاع أجرته وكالة أسوشيتد برس ومركز نورك للأبحاث، مسجلاً بذلك أدنى مستوى جديد للتقييمات التي تحظى بها الإدارة.
وفي اعتراف ضمني بأن غالبية الأميركيين لا يشعرون بتحسن في ظل الإدارة الحالية، ناشد فانس التحلي بالصبر.
وقال نائب الرئيس: "لم تُبنَ روما في يوم واحد.. لكننا ملتزمون، كل يوم، بجعل كل أميركي يعمل بجد ويلتزم بالقواعد، نريدهم أن يصبحوا أكثر ثراءً كل يوم".
وأظهر استطلاع حديث أن شعبية الرئيس الأميركي في الأيام القليلة الماضية انخفضت إلى أدنى مستوياتها تقريبا في ولايته الحالية مع استياء الناخبين المنتمين للحزب الجمهوري من طريقة تعامله مع الاقتصاد.
وبين الاستطلاع الذي أجرته رويترز/إبسوس أن 39 بالمئة من البالغين الأميركيين يوافقون على أداء ترامب في منصبه، انخفاضا من 41 بالمئة في وقت سابق من ديسمبر وعلى بعد نقطة واحدة من 38 بالمئة في منتصف نوفمبر ، وهي أدنى شعبية لترامب هذا العام.
صورة ضبابية
وفي حديثه مع موقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، يقول رئيس قسم الأسواق المالية في شركة FXPro ميشال صليبي:
- الصورة الاقتصادية في الولايات المتحدة ما تزال مختلطة وتميل إلى ما هو أقل بكثير من الوعود، أكثر من كونها قصة نجاح اقتصادي واضح.
- تقييم الأداء يجب أن يتم من خلال عدة محاور أساسية.
- التضخم وتكلفة المعيشة ما زالا يشكلان العقدة الرئيسية في الملف الاقتصادي الأميركي.
- التضخم الأساسي ظل مرتفعاً على مدى الاثني عشر شهراً الماضية وحتى سبتمبر 2025، وبمستويات أعلى بكثير من هدف الاحتياطي الفيدرالي البالغ 2 بالمئة، مع فارق شبه ثابت منذ بداية العام.
- استطلاعات الرأي تعكس تراجع الثقة الشعبية؛ إذ إن نحو ثلاثة من كل أربعة أميركيين يرون أن دخولهم لا تواكب ارتفاع الأسعار، في حين لا تتجاوز نسبة من يعتبرون الاقتصاد جيداً من حيث النمو والبطالة 32 بالمئة فقط.
- أرقام النمو والبطالة غير كافية لإحداث فارق ملموس على مستوى المعيشة.
ويضيف: توقعات سوق الإسكان والنمو الاقتصادي لا تزال ضبابية وغير مستقرة، كما أن معدلات البطالة، رغم عدم دخولها مرحلة ركود، تبقى أعلى من تقديرات الفيدرالي لمعدل البطالة الطبيعي. ويتابع أن تركيبة سوق العمل ما زالت مقلقة، لا سيما بالنسبة لبعض الشرائح الاجتماعية داخل الولايات المتحدة.
وفيما يتعلق بالأسواق المالية، يؤكد صليبي أن أداء الأسواق الأميركية كان قوياً جداً خلال عام 2025، مدعوماً باستمرار خلق الوظائف في القطاع الخاص، خصوصاً في قطاعات مثل الرعاية الصحية، لكنه يشدد في المقابل على وجود تكلفة جانبية، موضحاً أن السياسات الجمركية أسهمت في زيادة تقلبات الأسواق ورفعت مخاطر تباطؤ نمو التجارة العالمية، وهو ما أثار قلق المستثمرين.
ويختتم صليبي حديثه بالقول إنه من الضروري انتظار عام 2026، أو على الأقل النصف الأول منه، لمراقبة مدى استقرار القرارات الاقتصادية، وتقييم الأثر طويل الأمد للتعريفات الجمركية، إلى جانب التغيرات المحتملة في سياسات الاحتياطي الفيدرالي، سواء على صعيد أسعار الفائدة أو القيادة الجديدة، مشيرًا إلى أن الربع الأخير من العام شهد تشوهات وتقلبات في البيانات الاقتصادية نتيجة الإغلاق الحكومي، ما أثر بدوره بشكل واضح على قراءة المشهد الاقتصادي.






