2025.. عام إعادة ضبط السياسات النقدية
11:33 - 24 ديسمبر 2025تصدرت أسعار الفائدة مشهد الاقتصاد العالمي خلال العام 2025، بوصفها الأداة الأكثر حساسية في يد البنوك المركزية لإدارة معركة مزدوجة بين كبح التضخم وحماية النمو، فبعد مرحلة من التشديد النقدي غير المسبوق، بدأ العالم يلمس تحولات تدريجية في اتجاهات السياسة النقدية، وسط بيئة دولية تتسم بعدم اليقين وتزايد الضغوط الجيوسياسية والمالية.
تتحرك البنوك المركزية الكبرى على أرضية متباينة، إذ يقود الاحتياطي الفيدرالي الأميركي مسار التيسير بحذر، بينما تتباين خيارات أوروبا وبريطانيا، في وقت تخرج فيه اليابان من حقبة الفائدة الصفرية التي استمرت لعقود.
يعكس هذا التباين اختلاف الأوضاع الاقتصادية، ويكرس في الوقت نفسه أيضاً صراعاً غير معلن بين استقرار الأسعار ومتطلبات الأسواق وسوق العمل.
ومع قرب 2026، تتشكل ملامح عام مفصلي في سياسات المال، إذ صارت قرارات الفائدة جزءاً من إعادة ضبط أوسع لمنظومة السياسة النقدية العالمية.
وبين رهانات الخفض ومخاوف العودة إلى التشديد، تبدو أسعار الفائدة عنواناً لمعركة ممتدة ستحدد اتجاه الاقتصاد العالمي مع اقتراب 2026.
تحولات واضحة
يقول رئيس قسم الأسواق العالمية في شركة Cedra Markets، جو يرق، لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية":
- البنوك المركزية العالمية انتهجت سياسات نقدية شديدة التشدد خلال عامي 2023 و2024، في إطار محاولاتها للسيطرة على موجات التضخم المرتفعة.
- بعد ذلك بدأنا نلاحظ تحولًا واضحًا في توجهات هذه البنوك نحو تغيير سياساتها النقدية.
- الاحتياطي الفيدرالي الأميركي أقدم على ثلاث تخفيضات متتالية في أسعار الفائدة خلال العام الحالي.. بينما ثمة تباين في الآراء داخل الفيدرالي بين من يفضل التريث ومن يدعم تنفيذ تخفيضات إضافية.
ويؤكد أنه لا يرى صراعًا مباشرًا بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب والاحتياطي الفيدرالي، إلا أن اقتراب نهاية ولاية جيروم باول في مايو 2026، ووجود مرشحين دائمين لقيادة السياسة النقدية، يعزز التوقعات بمزيد من التيسير النقدي خلال المرحلة المقبلة.
ويتابع أن التوقعات تشير إلى تخفيضات إضافية في أسعار الفائدة الأميركية، خاصة مع تراجع معدلات التضخم إلى نحو 3 بالمئة واقترابها من المستويات المستهدفة، إلى جانب ظهور بوادر ضعف في سوق العمل الأميركي.
خفض مجلس الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة بمقدار 0.25 نقطة مئوية لتتراوح بين 3.50 بالمئة و3.75 بالمئة خلال اجتماعه الذي عُقد في 10 ديسمبر. وكان هذا الاجتماع الثالث على التوالي الذي يشهد خفضاً في أسعار الفائدة.
استجابةً لجائحة كوفيد-19، خفّض الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة بحلول 15 مارس 2020 إلى ما يقارب الصفر، بعد أن كانت تتراوح بين 1.5 بالمئة و1.75 بالمئة قبل الجائحة.
وفي 23 مارس 2020، أعلن الاحتياطي الفيدرالي عن حزمة واسعة من الإجراءات لدعم الاقتصاد، شملت شراء سندات الدين الحكومية والشركات، وشراء أوراق مالية أخرى (مثل تلك المدعومة بالرهون العقارية وغيرها من الأصول).
وبدأ الاحتياطي الفيدرالي برفع أسعار الفائدة مجدداً في مارس 2022، من 0-0.25 بالمئة إلى ذروة بلغت 5.25-5.50 بالمئة في يوليو 2023.
وبالانتقال إلى أوروبا، يشير يرق إلى أن البنك المركزي الأوروبي نفّذ بالفعل تخفيضات في أسعار الفائدة خلال عام 2025، لافتًا إلى أن التقديرات الحالية ترجّح توقف مسار التيسير النقدي الأوروبي، وهو ما عكسته تصريحات رئيسة البنك كريستين لاغارد وعدد من أعضاء المجلس الحاكم.
أما في المملكة المتحدة، يقول إن البنك المركزي البريطاني نفّذ هو الآخر عدة تخفيضات في أسعار الفائدة خلال 2025، مرجحًا أن نشهد مزيدًا من التخفيضات مع استمرار تراجع معدلات التضخم وظهور ضعف في سوق العمل، إلى جانب تباطؤ وتيرة النمو.
- في 18 ديسمبر، أعلنت لجنة السياسة النقدية التابعة لبنك إنجلترا خفض أسعار الفائدة بمقدار 0.25 نقطة مئوية لتصل إلى 3.75 بالمئة. وانقسمت أصوات اللجنة، حيث أيّد خمسة أعضاء الخفض، بينما فضّل أربعة الإبقاء عليه. وقد خُفّضت أسعار الفائدة تدريجياً منذ أغسطس 2024، بإجمالي 1.5 نقطة مئوية.
- جاءت دورة رفع أسعار الفائدة السابقة للجنة السياسة النقدية - من 0.1 بالمئة في ديسمبر 2021 إلى 5.25 بالمئة في أغسطس 2023 - استجابةً لارتفاع التضخم الذي بلغ ذروته عند 11.1 بالمئة في أكتوبر 2022. ثم انخفض التضخم إلى 1.7 بالمئة في سبتمبر 2024 قبل أن يعاود الارتفاع في أواخر عام 2024 وعام 2025.
- وانخفض التضخم في الأشهر الأخيرة وبلغ 3.2% في نوفمبر 2025 وفقًا لمؤشر أسعار المستهلك ، وهو ما يزال أعلى من هدف لجنة السياسة النقدية البالغ 2 بالمئة.
- وأعلن البنك أنه خفّض توقعاته لتضخم مؤشر أسعار المستهلك "ليقترب من 2 بالمئة" في الربع الثاني من عام 2026 .
ويضيف يرق: "نحن ننتقل تدريجيًا من مرحلة التيسير النقدي إلى مرحلة إعادة ضبط السياسات، وأعتقد بأنه مع دخول عام 2026 سنشهد تشديداً نقدياً إضافياً وتعديلات واضحة في توجهات البنوك المركزية العالمية".
وفيما يخص اليابان، يوضح يرق أن أسعار الفائدة وصلت إلى أعلى مستوياتها منذ أكثر من 30 عامًا، وأن التضخم لا يزال مرتفعًا، ما يدفع بنك اليابان إلى ترجيح تنفيذ رفع إضافي في أسعار الفائدة لاحتواء الضغوط التضخمية، خاصة مع وصول عوائد السندات الحكومية اليابانية إلى أعلى مستوياتها منذ عام 1999.
- رفع بنك اليابان في اجتماعه الأخير سعر الفائدة الرئيسي إلى 0.75 بالمئة.
- رغم أن هذا السعر لا يزال أقل بكثير من أسعار الفائدة في الاقتصادات الكبرى الأخرى، إلا أنه أعلى مستوى له في اليابان منذ عام 1995، والتي اعتمدت لعقود على أسعار فائدة قريبة من الصفر لمكافحة الانكماش.
- من المتوقع المزيد من رفع أسعار الفائدة في السنوات المقبلة، وفي تقرير لـ "نيويورك تايمز".
- قرار البنك المركزي برفع أسعار الفائدة يعني ارتفاع تكلفة خدمة الدين العام الياباني، وهو الأعلى في العالم المتقدم.
- أقرت حكومة تاكايتشي مؤخراً حزمة تحفيزية بقيمة 117 مليار دولار، تتضمن بنوداً مثل دعم الأسر، وزيادة ميزانية الجيش الياباني، واستثمارات في صناعات أشباه الموصلات وبناء السفن.
عام مفصلي
من جانبه، يقول رئيس قسم الأسواق المالية في شركة FXPro، ميشال صليبي، لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية":
- العام 2025 كان عاماً مفصلياً على صعيد السياسات النقدية العالمية، حيث شهدنا تحولات واضحة في توجهات البنوك المركزية الكبرى فيما يخص أسعار الفائدة.
- الاحتياطي الفيدرالي الأميركي بدأ في النصف الثاني من عام 2025 باتخاذ خطوات نحو خفض أسعار الفائدة، في حين سجّل بنك اليابان تحركًا لافتًا هو الأول من نوعه منذ سنوات، ما يعكس بداية تحول في سياسته النقدية، بالتوازي مع فترة من الهدوء والترقب لدى البنك المركزي الأوروبي.
- هذه التوجهات مرشحة للاستمرار خلال المرحلة المقبلة.. ومن المتوقع أن يواصل الاحتياطي الفيدرالي خفض أسعار الفائدة خلال عام 2026، وإن كان ذلك بوتيرة بطيئة وتدريجية خلال النصف الأول من العام، على أن تصبح هذه الخطوات أكثر جرأة في النصف الثاني، لا سيما مع قدوم الإدارة الأميركية الجديدة وتبلور البيانات الاقتصادية المتعلقة بالتضخم وسوق العمل.
- وبشأن اليابان، مازالت لهجة بنك اليابان المركزي تفتقر إلى الوضوح الكامل، إلا أن المسار العام للسياسة النقدية بدأ يتغير.. ومن المرجح أن نشهد مزيدًا من رفع أسعار الفائدة خلال المرحلة المقبلة.
أما في ما يخص بنك إنجلترا، فيلفت إلى أن الأوضاع الاقتصادية في بريطانيا لا تزال ضعيفة نسبياً، ومع بقاء معدلات التضخم تحت السيطرة، من المرجح أن يتجه البنك إلى مزيد من خفض أسعار الفائدة لدعم الاقتصاد، خصوصاً في ظل استمرار المؤشرات الاقتصادية السلبية.
وفيما يتعلق بالبنك المركزي الأوروبي، يرى صليبي أن حالة الهدوء الحالية في سياسة أسعار الفائدة لن تستمر طويلًا، مؤكدًا أنه لا يتفق مع الآراء التي تتوقع عودة رفع الفائدة، بل يرجّح الاتجاه نحو مزيد من الخفض خلال المرحلة المقبلة.
في اجتماعه المنعقد في 18 ديسمبر 2025، أبقى البنك المركزي الأوروبي أسعار الفائدة الرئيسية دون تغيير للمرة الرابعة على التوالي، حيث أبقى سعر الفائدة على الودائع عند 2.0 بالمئة. وكان البنك قد خفض أسعار الفائدة ثماني مرات خلال الفترة من يونيو 2024 إلى يونيو 2025.
ويشير صليبي إلى أن تحسن بعض مؤشرات التضخم لا يكفي لتبرير تشديد السياسة النقدية، خاصة في ظل ضعف المؤشرات الصناعية، ولا سيما مؤشرات مديري المشتريات في ألمانيا وعدد من الاقتصادات الأوروبية الكبرى، والتي لا تشجع على الإبقاء على أسعار الفائدة مرتفعة لفترة طويلة.
ويختتم رئيس قسم الأسواق المالية في شركة FXProحديثه بالتأكيد على أن السياسة النقدية في منطقة اليورو شهدت تقلبات واضحة في التوجهات الاقتصادية، مشدداً على ضرورة عدم بناء التوقعات المستقبلية استنادًا إلى خطاب واحد فقط لرئيسة البنك المركزي الأوروبي كريستين لاغارد، بل على قراءة شاملة لمجمل البيانات والتطورات الاقتصادية.
الدولار الأميركي
في سياق متصل، لم يكن هذا العام جيداً للدولار الأميركي؛ فقد انخفض سعر صرفه بنسبة تزيد قليلاً عن 9 بالمئة منذ يناير 2025، مقابل سلة من العملات العالمية الرئيسية الأخرى. وشهد انخفاضاً حاداً في النصف الأول من العام، حيث هدد الرئيس الأميركي دونالد ترامب بفرض رسوم جمركية باهظة على الحلفاء والشركاء التجاريين الآخرين، وخفض مجلس الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة للحفاظ على زخم النمو الاقتصادي الأميركي.
خلال الصيف وأوائل الخريف، استقر الدولار في نمط مستقر نسبياً، دون تحركات كبيرة صعوداً أو هبوطاً. لكن منذ منتصف نوفمبر، بدأ بالانخفاض تدريجياً. وتشير الدلائل إلى احتمال استمرار انخفاضه في عام 2026، بحسب تقرير لـ "ماركت بلاس".
وينقل التقرير عن الخبير الاقتصادي في جامعة كورنيل، إسوار براساد، قوله: "من المنطقي أن يضعف الدولار، لأنه يبدو أن هناك ضغوطًا اقتصادية وسياسية في الولايات المتحدة لخفض أسعار الفائدة، وفي الوقت نفسه قد تتحرك البنوك المركزية الرئيسية الأخرى في الاتجاه المعاكس".
وقال أيضاً إن الاقتصاد الأميركي يبدو أكثر خطورة من الاقتصادات الأوروبية والآسيوية الكبرى مع دخول عام 2026 في ظل تراجع سوق العمل.
لا يزال هناك قدر كبير من عدم اليقين بشأن السياسات في الولايات المتحدة، بما في ذلك التساؤلات حول استقلالية مجلس الاحتياطي الفيدرالي والضغوط السياسية لخفض أسعار الفائدة.
ويقول غاري شلوسبرغ من معهد ويلز فارغو للاستثمار إن هذا الأمر يقوض ثقة المستثمرين العالميين.
ومع ذلك، فإن توقعات شلوسبرغ بشأن الدولار في العام المقبل تتعارض مع توقعات براساد.
وقال: "ما زلنا نعتقد بأن الدولار سيظل مستقراً أو أكثر قوة قليلاً".







