عقوبات "سناب باك": هل ينجو اقتصاد إيران من الانهيار؟
08:45 - 30 سبتمبر 2025
بعد عقد من تعليق العقوبات الأممية على إيران، أعاد مجلس الأمن تفعيل آلية "سناب باك" التي تمثل أشد أدوات الضغط الدبلوماسي والاقتصادي، لتجد طهران نفسها أمام مشهد مأزوم يعيدها سنوات إلى الوراء. هذه العقوبات، التي تشمل تجميد الأصول الإيرانية في الخارج ووقف صفقات الأسلحة وفرض قيود على قطاعي النفط والبنوك، انعكست فوراً على العملة المحلية، حيث هوت إلى أدنى مستوى تاريخي لتبلغ 1.12 مليون ريال مقابل الدولار.
الأرقام التي نشرها خبراء اقتصاديون ومنظمات دولية تكشف عمق الأزمة: 5475 عقوبة مفروضة على إيران منذ 1979، و1.2 تريليون دولار خسائر اقتصادية بين 2011 و2023، إضافة إلى 100 مليار دولار مجمّدة لدى الغرب. هذه الأرقام لا تعكس فقط حجم الضغط الخارجي، بل تترجم إلى واقع اجتماعي خانق يتمثل في 28 مليون شخص تحت خط الفقر و22 مليون عاطل عن العمل.
وسط هذا المشهد، جاء تحليل مؤسس مركز بروجن للدراسات الاستراتيجية رضوان قاسم خلال حديثه إلى برنامج "بزنس مع لبنى" على سكاي نيوز عربية، ليضع خريطة طريق لفهم التداعيات السياسية والاقتصادية المترتبة على إيران، في الداخل والخارج.
عقوبات خانقة وريال منهار
يرى قاسم خلال حديثه الى سكاي نيوز عربية أن إعادة تفعيل العقوبات "ستضر بالاقتصاد الإيراني بشكل كبير جداً"، موضحاً أن طهران لطالما حاولت تجنب هذه اللحظة عبر التفاوض مع الغرب والسعي إلى تحرير أرصدتها المجمّدة لتعويض عجزها المالي. لكن هذه المحاولات لم تفلح سوى في كسب الوقت.
إيران كانت قد عوّلت على انضمامها إلى منظمة شنغهاي للتعاون، وعلى الاتفاقيات الاقتصادية مع الصين وروسيا، بما في ذلك تبادل العملات المحلية، إلا أن هذه الأدوات –بحسب قاسم– لم تكن ذات "فعالية كبرى لإعادة الاقتصاد إلى دورته الطبيعية". العقوبات الجديدة جاءت لتقضي على ما تبقى من الأمل، وتضع الاقتصاد أمام "أزمة حقيقية" قد تعيد معدلات النمو إلى دائرة الانكماش لسنوات قادمة.
ارتدادات داخلية ومعارضة متصاعدة
أحد أبرز ما أشار إليه قاسم هو أثر العقوبات على الوضع الداخلي في إيران، حيث ستؤدي إلى "تعزيز موقف المعارضة أولاً"، وهو ما بدأ يتجلى في المظاهرات التي خرجت مؤخراً قبل الضربات التي استهدفت منشآت إيرانية.
الحكومة الجديدة برئاسة مسعود بزشكيان –التي جاءت بوعود رفع الحصار وإنعاش الاقتصاد– تبدو عاجزة حتى الآن عن الوفاء بوعودها. ويضيف قاسم: "هذا مما سيعزز موقف المعارضة، وبالتالي سيكون هناك ضغط أكبر بكثير على الحكومة".
السيناريو الأخطر يكمن في احتمال أن تلجأ طهران إلى "بيع النفط والغاز بطرق غير رسمية" أو عبر دول غير ملتزمة بالعقوبات مثل روسيا والصين وكوريا الشمالية. غير أن هذه البدائل –كما يحذر قاسم– لا تكفي لإعادة هيكلة الاقتصاد أو إنقاذ العملة المنهارة.
العجز الحكومي وتكاليف إعادة الإعمار
الضربات التي طالت المفاعلات النووية الإيرانية –وفق ما ناقشه قاسم– تفتح جبهة جديدة من الأعباء على الحكومة. فإعادة إعمار هذه المنشآت، التي تعدّ حيوية لإنتاج الكهرباء والمياه وتشغيل آلاف الوظائف، ستفرض "تكاليف كبيرة جداً" في وقت تعاني فيه الخزينة من نزيف مستمر بسبب العقوبات.
المعادلة هنا تبدو قاتلة: المزيد من العقوبات يعني تراجع الإيرادات، وفي المقابل تزداد المصاريف المطلوبة لإصلاح الأضرار. "من الصعب جداً أن تجد الحكومة حلولا لهذه المشاكل"، يقول قاسم، مضيفاً أن هذا الضغط المالي سيتسرب إلى ملفات أخرى، سواء داخلية تتعلق بالبطالة والفقر، أو عسكرية تتعلق بالقدرة على مواجهة أي ضربة جديدة.
العلاقات الدولية بين الدعم والقيود
رغم أن إيران حاولت الاحتماء بكتلة الدول المناهضة للغرب –خصوصاً الصين وروسيا– إلا أن قاسم يرى أن هذا الدعم يظل محدوداً ومحكوماً بمصالح هذه الدول. "الصين ستساعد إيران ضمن حدود معينة، لكنها لن تخرج عن القوانين الدولية أو تعرّض نفسها لعقوبات دولية مباشرة"، يوضح.
هذا الموقف يعكس معضلة إيران: فحتى حلفاؤها يضعون مصالحهم أولاً. فالصين مثلاً قد تواصل استيراد النفط الإيراني لتأمين احتياجاتها، لكنها لن تخاطر بشبكاتها المالية والتجارية العالمية. وبالتالي، فإن قدرة طهران على الالتفاف على العقوبات عبر هذه الشراكات ستبقى ضيقة وغير كافية لإنعاش اقتصادها.
العقوبات في ميزان الأرقام
- 5475 عقوبة مفروضة على إيران منذ الثورة الإسلامية عام 1979، ما يجعلها أكثر دولة في العالم خاضعة للعقوبات.
- 2 تريليون دولار خسائر اقتصادية بسبب العقوبات بين 2011 و2023، وفق تقارير أممية ودراسات مستقلة.
- 28 مليون شخص يعيشون تحت خط الفقر، أي نحو ثلث سكان إيران البالغ عددهم 88 مليوناً.
- 22 مليون عاطل عن العمل، ما يهدد بتوترات اجتماعية متصاعدة.
- 100 مليار دولار أموال إيرانية مجمّدة لدى الغرب، تمثل شرياناً مالياً معطّلاً.
- الريال الإيراني ينهار إلى 12 مليون ريال مقابل الدولار، وهو أدنى مستوى تاريخي.
توضح هذه الأرقام أن إيران تواجه أزمة شاملة لا تتوقف عند حدود الاقتصاد، بل تمتد إلى الأمن الاجتماعي والسياسي.
أبعاد عسكرية موازية
قاسم لم يغفل الجانب الأمني والعسكري، مشيراً إلى أن العقوبات ترافقها تهديدات متزايدة من الولايات المتحدة وإسرائيل، وربما بمشاركة الناتو. في حال حدوث أي هجوم عسكري جديد، "ستتغير الموازين بشكل كبير، سواء على الصعيد الداخلي أو الخارجي"، يقول قاسم.
هذا التداخل بين العقوبات والتهديدات العسكرية يضاعف من هشاشة الموقف الإيراني، حيث يتعين على الحكومة التعامل مع ضغط اقتصادي خانق من جهة، واحتمالات مواجهة عسكرية مدمرة من جهة أخرى.
إيران بين المطرقة والسندان
إعادة تفعيل عقوبات "سناب باك" أعادت إيران إلى نقطة البداية، وكأن عقداً من الزمن قد ضاع هباءً. الاقتصاد يترنح، العملة تنهار، البطالة والفقر يتصاعدان، والمعارضة الداخلية تستعيد أنفاسها. في المقابل، الحكومة تبدو محاصرة بين ضغوط الداخل وتهديدات الخارج، بينما يظل هامش المناورة مع الحلفاء محدوداً.
تحليل رضوان قاسم، كما عرضه في حديثه مع "بزنس مع لبنى" على سكاي نيوز عربية، يرسم صورة قاتمة لمستقبل إيران في ظل هذه العقوبات: أزمة اقتصادية متفاقمة، عجز حكومي عن الحلول، وتصاعد احتمالات الانفجار الاجتماعي والسياسي.





