ما أسباب تراجع أسعار الأرز لأدنى مستوياتها منذ 8 سنوات؟
11:18 - 11 أغسطس 2025
تشهد أسعار الأرز العالمية انخفاضاً بشكل ملحوظ بعد فترة طويلة من الارتفاعات القياسية التي واجهتها الأسواق بسبب أزمات عالمية متتابعة، وهو الانخفاض الذي يأتي نتيجة توازن جديد بين العرض والطلب أثر بشكل مباشر على أسعار هذه السلعة الأساسية.
أسهمت عدة عوامل في زيادة المعروض من الأرز على المستوى العالمي، أبرزها رفع بعض القيود على التصدير من قبل كبار المنتجين وتحسن ظروف الإنتاج في عدد من الدول، مقابل تراجع الطلب في بعض الأسواق الرئيسية نتيجة وفرة المخزون المحلي والاستراتيجيات الجديدة لدعم الإنتاج الداخلي.
ورغم هذا الانخفاض، لا تزال هناك تحديات تواجه قطاع الأرز في بعض المناطق التي تعاني من ظروف مناخية صعبة، قد تؤثر على الإنتاج مستقبلاً وتعيد الأسعار إلى مسار التصاعد. في الوقت نفسه، يبقى الانخفاض الحالي فرصة للمستهلكين لكن مع مخاوف على استدامة الإنتاج الزراعي على المدى الطويل.
بحسب فايننشال تايمز، فإن "أسعار الأرز العالمية انخفضت إلى أدنى مستوى لها في ثماني سنوات"، وهو ما عدّه تقرير الصحيفة بمثابة "ضربة قوية للكثير من المزارعين في جميع أنحاء آسيا، عقب أن أدى الحصاد القياسي وانتهاء حظر التصدير في الهند إلى إغراق السوق بالإمدادات".
- تراجعت أسعار تصدير الأرز الأبيض التايلاندي بنسبة كسر 5 بالمئة، وهو المعيار العالمي، إلى 372.50 دولار للطن في الأيام الأخيرة، بانخفاض 26 بالمئة منذ أواخر العام الماضي وأدنى مستوى لها منذ عام 2017.
- يمتد هذا الانخفاض الذي بدأ بعد أن بدأت الهند، أكبر مصدر في العالم، في رفع القيود المفروضة على الشحنات في سبتمبر 2024.
- وفقاً لمنظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة، انخفض مؤشر أسعار الأرز العالمي التابع للأمم المتحدة بنسبة 13 بالمئة هذا العام.
- يُمثل انخفاض الأسعار تراجعاً حاداً عن مستواها في أوائل العام الماضي، حين ارتفعت أسعار الأرز إلى أعلى مستوياتها منذ عام 2008 بعد أن فرضت الهند سلسلة من القيود على الصادرات. وقد أثار ذلك موجة من الشراء المذعور بين المستهلكين، ودفع دولًا منتجة أخرى إلى اتخاذ إجراءات حمائية.
ونقل التقرير عن المحلل في رابوبانك، أوسكار تيجاكرا، قوله إن التحول في سياسة الهند في أواخر العام الماضي، بعد حصاد قياسي في 2023-2024 أدى إلى تضخم مخزونات الحكومة، كان "السبب الرئيسي" وراء الانخفاض الكبير في الأسعار.
وأضاف أن "هذا يأتي بالإضافة إلى الإنتاج القوي في تايلاند وفيتنام، وهو ما رفع إنتاج الأرز العالمي إلى مستوى قياسي في هذا العام التسويقي".
في غضون ذلك، انخفض الطلب في إندونيسيا، وهي أحد أكبر المشترين، فقد قلصت وارداتها العام الماضي، ولن تعود إلى السوق في العام 2025. أما الفلبين، فقد حظرت الواردات حتى أكتوبر لحماية الأسعار المحلية خلال موسم حصادها الرئيسي.
الأسباب الرئيسية
يقول مدير مركز رؤية للدراسات والبحوث الاقتصادية، بلال شعيب، لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" إن الانخفاض الحالي في أسعار الأرز عالمياً يُعد الأكبر منذ ثماني سنوات، مشيراً إلى أن هذه الفترة شملت خمس سنوات من التوترات العالمية، بدءاً من جائحة كورونا، مروراً بالصراع الروسي الأوكراني، والتوترات العسكرية والجيوسياسية في الشرق الأوسط، وصولاً إلى الحرب التجارية.
ويوضح أن هذه الأزمات دفعت الدول التي تمتلك احتياطيات نقدية إلى تحويل جزء من مخزونها النقدي إلى مخزون استراتيجي من السلع، وعلى رأسها الأرز، وهو ما ظهر بوضوح خلال جائحة كورونا والصراع الروسي الأوكراني، منبهاً إلى أن التوترات عادة ما تدفع مؤشرات التضخم للارتفاع، خاصة في ظل محدودية المعروض من السلع الاستراتيجية.
ويشير إلى أن عودة الهند، كأكبر مصدر للأرز في العالم، إلى رفع بعض القيود المفروضة على الشحنات أسهمت في تنشيط الصادرات، إلى جانب زيادة الإنتاج في بعض البلدان، ما أدى إلى ارتفاع المعروض السلعي مع ثبات الطلب. كما أن الدول المستهلكة بكثافة للأرز رفعت مخزونها الاستراتيجي خلال العامين الماضيين، مما أدى إلى وفرة كبيرة في المخزونات وتراجع الطلب.
ويبيّن أن هذه العوامل مجتمعة أسهمت في انخفاض أسعار الأرز عالمياً بنسبة تتراوح بين 5 و13 بالمئة. ومع ذلك، يحذّر من أن المزارعين قد يتعرضون لخسائر أو تراجع في هوامش الربح، ما قد ينعكس سلباً على زراعة الأرز في السنوات المقبلة.
ظروف غير مواتية
وثمة أوضاع غير مواتية قد تواجه بعض البلدان، ففي اليابان على سبيل المثال قد تؤدي درجات الحرارة المرتفعة القياسية إلى كبح إنتاج البلاد من الأرز، مما يهدد بإحداث نقص في الحبوب الأساسية وارتفاع جديد في الأسعار مع تصاعد الاستياء العام بسبب تكاليف المعيشة، وفق تقرير لبلومبيرغ.
شهدت مناطق إنتاج الأرز الرئيسية مثل توهوكو وهوكوريكو أقل كمية من الأمطار في يوليو على الإطلاق منذ ما يقرب من 80 عاماً، في حين حطمت موجة الحر هذا الشهر العديد من الأرقام القياسية لدرجات الحرارة وأحرقت مساحات كبيرة من البلاد.
ويشير التقرير إلى أن هذه الظروف الجوية المتطرفة قد تؤثر على موسم الحصاد الذي يبدأ عادةً في أواخر الصيف، في وقتٍ تعاني فيه إمدادات الأرز من ضغوطٍ شديدةٍ بالفعل بسبب سوء الأحوال الجوية في السنوات الأخيرة. وهذا يُنذر بارتفاع الأسعار، التي ارتفعت بالفعل بنحو 50 بالمئة عن العام الماضي، مما قد يُثقل كاهل ميزانيات الأسر والقادة السياسيين.
تراجع عالمي
الخبير الاقتصادي، ياسين أحمد، يقول لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" إن من بين أسباب تراجع أسعار الأرز عالمياًانخفاض الطلب العالمي بمعني أن بعض الدول المستوردة للأرز بدرجة كبيرة (مثل إندونسيا والفلبين)خفضت وارداتها بسبب المخزون الكافي لديها أو بالأحرى لتحفيز الإنتاج المحلي لديها وتقليل سياسة الواردات..
ويضيف: "من الأسباب أيضاً هو تحسن الإنتاج في دول رئيسية، حيث أسهمت مواسم الزراعة الجيدة في زيادة المعروض وسط تراجع الطلب من دول كبرى".
كما يُبرز تخفيف قيود التصدير، خاصة من الهند، من بين العوامل، إذ خففت الحكومة بعض الحظر على صادرات الأرز، مما زاد المعروض العالمي، مشيراً في الوقت نفسه إلى أن "المضاربات وتوقعات السوق" كانت من بين أسباب تراجع الأسعار، بمعني أن الأسواق كانت تتوقع نقصاً، لكن الواقع جاء بعكس التوقعات، مما أدى لهبوط سريع في الأسعار.
وبالنسبة للمستهلكين، يُمثّل هذا الركود ارتياحاً مُرحّباً به بعد سنوات من ارتفاع أسعار الغذاء. ففي الدول التي تعتمد على واردات الأرز، يُمكن أن يُساعد انخفاض الأسعار في تخفيف التضخم العام وضغوط ميزانيات الأسر، وفق فايننشال تايمز.










