كيف أطاحت سياسات ترامب بـ 6.5 تريليون دولار من وول ستريت؟
11:52 - 11 مارس 2025شهدت وول ستريت واحدة من أشد العواصف المالية في تاريخها الحديث، حيث فقدت سوق الأسهم الأميركية ما يقارب 3.5 تريليون دولار في أسبوعين فقط، متجاوزة بذلك حجم الاقتصاد البريطاني بالكامل.
جاءت هذه الخسائر المدوية نتيجة الرسوم الجمركية التي فرضتها إدارة ترامب، والتي أدت إلى تباطؤ النمو الاقتصادي وإلغاء خطط خفض الفائدة. كما تعرضت أسهم شركات التكنولوجيا العملاقة، مثل إنفيديا، لضربات قاسية، حيث خسرت وحدها 1.2 تريليون دولار من قيمتها السوقية خلال شهرين.
الرسوم الجمركية: سلاح ذو حدين
استخدم ترامب الرسوم الجمركية كسلاح لتهديد الخصوم التجاريين، لكن هذه السياسة انقلبت عليه بشكل غير متوقع. فبدلًا من تحقيق المكاسب، دفعت وول ستريت فاتورة باهظة، حيث بلغت خسائرها الإجمالية منذ فوز ترامب في الانتخابات 6.5 تريليون دولار. كما خسرت أكبر ست شركات تكنولوجيا أميركية 2.2 تريليون دولار من قيمتها السوقية منذ بداية العام، وهو رقم يتجاوز إجمالي القيمة السوقية للبورصتين الأسترالية والنيوزيلندية مجتمعتين. وهو ما يعكس حجم التأثير السلبي للحرب التجارية على الاقتصاد الأميركي.
الدولار يترنح.. هل يفقد عرش العملات العالمية؟
في ظل هذه العاصفة المالية، تراجع الدولار الأميركي ليصبح أسوأ العملات الرئيسية أداء منذ بداية العام.
فقد سجل مؤشر الدولار أكبر خسارة أسبوعية منذ عامين، وتراجع إلى أدنى مستوى له في أربعة أشهر.
ووفقًا لتحليلات الخبراء، فإن هذا التراجع يعود إلى مجموعة من العوامل، أبرزها عدم اليقين المحيط بالسياسات الجمركية للرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، وضعف أداء الاقتصاد الأميركي، وارتفاع الدين العام إلى مستويات قياسية تجاوزت 36.5 تريليون دولار. كما ساهم التعافي القوي لليورو، الذي سجل أفضل أداء أسبوعي له في 16 عامًا، في تفاقم أزمة العملة الأميركية.
من جانبه، أكد علي العدو، مدير إدارة الأصول في "Entrust Capital"، خلال حديثه لبرنامج بزنس مع لبنى على سكاي نيوز عربية أن السياسات الاقتصادية لإدارة ترامب ساهمت في إبطاء الاقتصاد الأميركي ورفع نسبة البطالة، مما أدى إلى تراجع الثقة في العملة الأميركية على المدى القصير.
وأضاف العدو: "ما نراه اليوم هو نتيجة محاولة إدارة ترامب لإبطاء الاقتصاد الأميركي ورفع نسبة البطالة، بهدف خفض نسب الفوائد. هذه السياسات أدت إلى تراجع التقييمات المرتفعة للأسهم، خاصة في قطاع التكنولوجيا". كما أشار إلى أن المستثمرين بدأوا في التخلص من الأسهم ذات القيم المرتفعة، مما زاد من حدة الخسائر في وول ستريت.
وأشار العدو خلال حديثه الى وجود تحديات كبيرة تواجه سوق السندات الأميركية، حيث تحتاج الولايات المتحدة إلى إعادة تمويل 3.8 تريليون دولار من السندات خلال الأشهر الستة المقبلة. هذه الديون، التي تم إصدارها خلال فترات الفائدة المنخفضة أثناء أزمة كوفيد-19، ستصبح أكثر تكلفة في ظل معدلات الفائدة الحالية، مما يزيد الضغوط على الاقتصاد الأميركي.
أسهم التكنولوجيا تتراجع: نهاية عصر النمو السريع؟
تعرضت أسهم شركات التكنولوجيا لضغوط هائلة، حيث تغيرت توقعات النمو لهذه الشركات بشكل كبير. وأوضح العدو أن ارتفاع تكاليف التشغيل والعقوبات التجارية، خاصة في أسواق مثل الصين وأوروبا، أدت إلى تراجع قيمتها السوقية. كما أشار إلى أن السيولة النقدية أصبحت عنصرًا حاسمًا في محافظ المستثمرين الكبار، خاصة مع ارتفاع نسبة الديون الأميركية التي تحتاج إلى إعادة تمويل.
مستقبل وول ستريت: بين الفرص الاستثمارية وتحديات السياسات التجارية
رغم التحديات الحالية، يرى الخبراء أن الاقتصاد الأميركي سيظل الأقوى على المدى الطويل، مع وجود فرص استثمارية جذابة في أسواق الأسهم بعد التراجعات الكبيرة التي شهدتها. ومع ذلك، فإن السياسات التجارية الحالية وتداعياتها على النمو الاقتصادي ستظل العامل الحاسم في تحديد اتجاهات الأسواق خلال الفترة المقبلة.
الذهب يتألق كملاذ آمن في زمن الأزمات
في خضم التقلبات الاقتصادية العالمية، يبرز الذهب كبطل رئيسي في ساحة الاستثمار. توقع علي العدو أن يرتفع سعر الذهب إلى 3150 دولارًا للأونصة هذا العام، مدفوعًا بزيادة الطلب من البنوك المركزية حول العالم، بما في ذلك الصين والولايات المتحدة وأوروبا. وأكد أن "ضعف الدولار سيكون داعمًا قويًا لارتفاع أسعار الذهب"، مشيرًا إلى أن الطلب على المعدن الأصفر سيستمر في النمو مع استمرار حالة عدم اليقين الاقتصادي.
وأضاف العدو: "الذهب دائمًا ما يكون الملاذ الآمن الأول في أوقات الأزمات، واليوم نشهد طلبًا قويًا من البنوك المركزية والمستثمرين الأفراد على حد سواء".
أسواق الخليج: الواحة الآمنة في صحراء التقلبات العالمية
بينما تعاني الأسواق العالمية من تقلبات حادة، تبرز أسواق منطقة الخليج كوجهة استثمارية جاذبة. وفقًا لـ علي العدو، فإن أداء أسواق الخليج يتفوق على الأسواق العالمية، خاصة في ظل التحديات التي تواجه الاقتصاد الأمريكي. وأشار إلى أن المنطقة ستستفيد من عدة قطاعات، لاسيما تلك المرتبطة بالاقتصاد المحلي، مثل الشركات ذات العوائد المرتفعة والقطاعات المحمية من التقلبات العالمية.
وأضاف العدو: "القطاعات مثل الأسمدة والاتصالات ستكون من أكبر المستفيدين من التطورات الحالية، كما أن البنوك في دول مجلس التعاون الخليجي ستستفيد من قوة الاقتصاد المحلي، رغم أن أرباحها قد تتأثر سلبًا بانخفاض أسعار الفائدة".
السيولة النقدية: سلاح المستثمرين في زمن الضبابية
في ختام حديثه، أكد علي العدو أن "السيولة النقدية هي سيدة الموقف في الوقت الحالي". وأوضح أن المستثمرين بحاجة إلى التركيز على الأدوات الآمنة مثل الذهب والسندات ذات الدخل الثابت، مع الحفاظ على نسبة عالية من السيولة النقدية في محافظهم الاستثمارية.
في عالم يعاني من عدم اليقين الاقتصادي، يبدو أن الذهب وأسواق الخليج هما الخياران الأكثر أمانًا للمستثمرين. بينما يواجه الدولار الأمريكي تحديات كبيرة، تلوح في الأفق فرص استثمارية واعدة في منطقة الخليج، مدعومة باقتصادات محلية قوية وقطاعات متينة. وفي النهاية، يبقى التحوط والتركيز على السيولة النقدية هو المفتاح لعبور هذه المرحلة المضطربة بسلام.