كيف يتعامل المستثمرون مع مخاطر تقلبات العملة؟
13:42 - 16 مايو 2024في عالم الاستثمارات المعقد والديناميكي اليوم، تبرز مخاطر تقلبات العملة كواحدة من المخاطر الرئيسية التي يواجهها المستثمرون على أجندتهم، الأمر الذي تزامن معه تزايد أهمية التحوط من مخاطر الصرف الأجنبي بشكل ملحوظ في ظل التصاعد المستمر للاضطرابات الجيوسياسية والتباين في الأداء الاقتصادي بين الدول.
في سياق تقلبات العملات، يتعرض المستثمرون والشركات إلى مخاطر تتعلق بتقلبات قيمة العملات الأجنبية مقابل عملاتهم المحلية، فالتغيرات الحادة في سعر صرف العملات يمكن أن تؤثر سلباً على عوائد الاستثمارات الدولية والأرباح المحلية، وتزيد من التعقيدات المالية والإدارية للشركات التي تعمل عبر الحدود.
يزداد تعقيد هذا المشهد الاقتصادي بسبب التحولات الجيوسياسية، ذلك أن التوترات السياسية والنزاعات تقود بدورها إلى تقلبات حادة في أسواق العملات و بما يثير مخاوف المستثمرين بشأن استقرار الأسواق المالية.
بالإضافة إلى ذلك، فإن تباين الأداء الاقتصادي بين الدول يجعل التحوط من مخاطر الصرف الأجنبي ضرورة حتمية للشركات والمستثمرين. فعلى سبيل المثال، قد تشهد بعض الاقتصادات تباطؤاً اقتصادياً في حين تنمو الأخرى بوتيرة أسرع، مما يؤدي إلى تقلبات في سعر الصرف تؤثر على قيمة الاستثمارات.
تحوط المستثمرين من مخاطر تقلبات العملة يشمل استخدام مجموعة من الأدوات المالية والاستثمار في أصول تمتاز بتقلبات أقل، واستخدام الاستراتيجيات المالية للتقليل من التعرض للمخاطر. ويصبح التحوط أكثر أهمية في مثل هذه الظروف المعقدة للأسواق المالية العالمية، حيث يسعى المستثمرون إلى حماية محافظهم وتقليل التأثيرات السلبية المحتملة لتقلبات العملات على عائداتهم ومواردهم المالية.
وول ستريت
وفيما ينظر المستثمرون بمزيدٍ من القلق إلى مخاطر تقلبات العملة وسعر الصرف الأجنبي، والتي تعزز بدورها أدوات التحوط المالي، لا سيما في ظل تصاعد الاضطرابات الجيوسياسية التي تفضي بدورها بتأثيرات واسعة على الأسواق، إلا أنه "من منظور المستثمر المتمركز في الولايات المتحدة، يبدو العالم مشرقاً في هذه المرحلة"، بحسب تقرير لصحيفة "فاينانشال تايمز"، شدد على أن الاقتصاد الأميركي القوي ومع انتعاش أسعار الأسهم، واستعادة التعاملات الاقتصادية تدريجياً "أسهم ذلك كله في إظهار وول ستريت حالة من التفاؤل حيال السوق المحلية".
التقرير نقل عن الرئيس التنفيذي لشركة كارلايل، هارفي شوارتز، قوله إن غالبية المستثمرين الذين سألهم أبلغوا عن أنهم قاموا بتخصيص رأس مال للاستثمار في الولايات المتحدة، ويخططوا لتخصيص المزيد، حسبما قال خلال الملتقي السنوي لمعهد ميلكن هذا الأسبوع.
خلال الملتقى نفسه، شاركت جين فريزر، رئيسة مجموعة سيتي غروب، التي نحت جانباً المخاوف حيال التقييمات المرتفعة في سوق الأسهم الأميركية، وسلطت من جانبها الضوء على نظريتين دفعتا أسعار الأسهم للارتفاع خلال الأشهر الأخيرة، مشيرة إلى أنه:
- إذا استمر النمو صامداً، لدى الأسهم دافعاً للارتفاع.
- أما إذا كانت ثمة مؤشرات على تباطؤ الاقتصاد وتخفيضات وشيكة في أسعار الفائدة، فإن الأسهم عرضة للارتفاع أيضاً.
وعلى الرغم من ذلك، فإن الأجواء الضبابية لم تتبدد بعد، خاصة بالنسبة للمستثمرين الذين يتطلعون إلى ما وراء البحار، على اعتبار أن المخاطر الجيوسياسية تعد موضوعاً مطروقاً باستمرار في مناقشات المستثمرين، وكذلك تحديات التعامل مع التغيرات في الاقتصادات التي تتحرك بوتيرة مختلفة، وهو ما تجلى في إعادة التحوط للوقاية من مخاطر العملات إلى جدول الأعمال.
كما نقل تقرير الصحيفة البريطانية عن كبيرة مسؤولي الاستثمار لدى صندوق التحوط "بريدج ووتر أسوشيتس"، كارين كارنيول تامبور، قولها خلال مؤتمر ميلكين: "لفترة طويلة لم يكن لدى المستثمرين ما يدعو للقلق بشأن العملات"، في الوقت الذي كانت تتحدث مع مستثمرين أشادوا بالاستثمارات الضخمة الأخيرة، لكنهم عبورا عن أسفهم لمدى تأثير تقلبات العملة عليهم.
- الين الياباني هو أوضح مثال، حيث شهد الشهر الماضي تقلبات حادة مقابل الدولار، وتحرك بمقدار 3 ين في غضون دقائق، بسبب التدخلات المحتملة من السلطات لإبطاء تراجعه.
- كذلك أبرزت كارنيول تامبور تأثيره على الأسهم اليابانية، قائلة: "إن أداء اليابان كان مذهلاً، إذا كنت قد أخذت في الحسبان تعرضك لمخاطر العملة وقلت: أريد تجنب ذلك"
- وعلى مدار العام الماضي، انخفضت العملة اليابانية بنسبة 13 بالمئة تقريباً، مع ابتعاد صناع السياسات المحليين تدريجياً عن السياسة النقدية التوسعية، بينما استمر الدولار مدعوماً بأسعار الفائدة المرتفعة لفترة أطول مما كان متوقعاً.
- أدى ذلك إلى حصول المستثمر الذي يتعرض للدولار دون تحوط ويتتبع مؤشر توبكس القياسي، على عائد إجمالي بنسبة 17 بالمئة لمدة 12 شهراً.
- بينما تمكن الذين يتمتعون بالحماية الكاملة من تحقيق ما يربو على 30 بالمئة، متجاوزين المكاسب التي حققوها في مؤشر ستاندرد آند بورز 500.
ويشير التقرير إلى أنه "يمكن أن يكون التحوط بمثابة وسيلة لزيادة العائدات، ولكن بالنسبة للكثيرين، كان الجدل يدور حول الحماية من خطر الصدمات غير المتوقعة".
تحوط من المخاطر
ووفق محللة استراتيجية لاستثمارات العملاء لدى غولدمان ساكس لإدارة الأصول، إليزابيت بيرتون، فإن:
- "المستثمرون لا يتوقعون بالضرورة انخفاض قيمة الدولار قريباً.. إنهم يستخدمونه كتحوط من المخاطر الجيوسياسية بدلاً من الرهان مقابل عملات دول أخرى".
- نحو ثلث المستثمرين المؤسسين يقومون بالتحوط من مخاطر العملة.
- "قد لا يحتاج هؤلاء حالياً إلى التحوط من العملة نظراً لقوة الدولار، لكن تطبيق ذلك الآن يمكن أن يوفر حماية أفضل إذا تراجع في المستقبل".
- ويشكل ذلك توازناً صعباً بالنسبة للمستثمرين الأكثر اعتياداً على التفكير في الدولار كملاذ خلال الأوقات العصيبة والاستفادة من حجة "الاستثناء" الأميركي التي تطورت على مدى العقد الماضي مع تفوق أسواقها على الأسواق الأخرى.
ومع ذلك، فإن التقلبات الكبيرة للدولار في أي اتجاه من الاتجاهين لها القدرة على الإخلال باستراتيجيات الاستثمار، وشدد محللو بنك أوف أمريكا هذا الأسبوع على حاجة الشركات الأمريكية للنظر في تعرضها لتقلبات العملة، في حالة ارتفاع قيمة الدولار بشكل أكبر، وهو أمر من شأنه أن يقلص أرباحها عند تحويل الدخل الخارجي إلى دولارات.
تخوفات المستثمرين
في هذا السياق، أكد رئيس قسم الأسواق العالمية في Cedra Markets، جو يرق، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، أن لاستقرار سعر الصرف دورًا كبيرًا في أجندة المستثمرين وتدفق الاستثمارات.
وأوضح أن كثيراً من المستثمرين لديهم تخوف من الاستثمار في الوقت الحالي نظرًا لوجود تقلبات عنيفة بسعر الصرف، وأن أكبر مثال على ذلك التقلبات التي تحدث في كل من مصر ولبنان وسوريا وتركيا، والتي خلقت لديهم حالة من القلق ما جعلهم يبحثون عن سوق تتسم بالاستقرار من أجل الحفاظ على رؤوس أموالهم.
وأضاف: "تلك التقلبات العنيفة للعملة وعدم الاستقرار تدفع المستثمرين للتحوط"، مشيرًا إلى أن هناك عدة أدوات للتحوط، منها:
- الدولار الأميركي، وهو العملة المهيمنة عالميًا، ففي الأزمات نرى أن المستثمرين عندما يتحوطون لحماية أنفسهم من تقلبات الأسعار يتجهون إلى الفرنك السويسري والين الياباني أو الدولار الأميركي للتحوط من تلك التقلبات، لكن الين الياباني فقد الزخم في الوقت الحالي لضعف قيمته وبقائه عند الفوائد الصفرية.
- التحوط من خلال اللجوء لسندات الخزانة الأميركية نظرًا لأن عوائدها تكون بحدود الخمسة بالمئة، ما يعد عائدًا كبيرًا.
- الذهب وهو أحد أدوات التحوط الأخرى التقليدية، والذي شهد سعره ارتفاعًا ملحوظًا أخيراً، ففي ظل التخوف من أدوات الاستثمار الأخرى أصبح ملاذاً للمستثمرين، وهو ما يعكسه شراء البنوك المركزية للذهب من أجل حماية أصولها وخوفا من أي عقوبات يمكن فرضها عليها، والتحرر من اللجوء لأي عملة.
أفاد رئيس قسم الأسواق العالمية في Cedra Markets، بأن التطورات الجيوسياسية ليست وحدها ما تؤثر على الأسواق بالوقت الحاضر، بينما هناك عامل أساسي آخر للتقلبات وهو التضخم بأسعار الفائدة التي مازالت مرتفعة في الولايات المتحدة الأميركية.
وأشار إلى أنه في آخر تصريح لرئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي، جيروم باول، فإن التضخم سيكون عنيدًا، كما فاجأ الأسواق بعدم وجود بادرة لأي تخفيضات إضافية للفائدة الأميركية قريباً، ما يدل على أن الدولار سيظل بنفس المستويات المرتفعة، لذا فهو أداة تحوط جيدة في الوقت الحالي، خاصة وأن كل السلع والمعادن مُسعرة بالعملة الأميركية ما يمنح المستثمرين حالة من الاستقرار بشأنها.
واستعرض عدة أسباب تدفع المستثمرين للاتجاه إلى التحوط بالدولار والحفاظ على العوائد المرتفعة، وهي:
- الاقتصاد الأميركي قوي مقارنة بكل اقتصادات الدول الصناعية الكبرى، فبالتالي بريق ولمعان الدولار الأميركي مسيطراً على كل العملات والعملات الأخرى، خاصة وأن تلك العملات تتحرك حسب تحرك الدولار وليس قوتها أو ضعفها.
- الدولار محرك لضعف العملات الأخرى إن كان الين الياباني أو الاسترليني واليورو.
- الفوائد الأميركية المرتفعة.
التحوط من المخاطر
في ذات السياق أكد المدير التنفيذي لشركة VI Markets، أحمد معطي، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، أن ارتفاع سعر الدولار عالميا يؤثر بالسلب على الأسواق وخاصة الناشئة، موضحًا أن هناك دول مستوردة تعتمد على أن تكون وارداتها مقابل الدولار الأميركي.
وقال إنه في ظل التوترات الجيوسياسية في كل من الجزء الأوروبي بين روسيا وأوكرانيا، والشرق الأوسط بين إسرائيل وحماس، هناك مخاوف كبيرة لدى المستثمرين بسبب تأثير تلك التوترات السلبي على الأسواق، بينما يكون تأثيرها إيجابيا بالنسبة للدول المُصدرة التي يعد ارتفاع سعر الدولار مفيدًا لها.
وأوضح أن حدوث تقلب بأسعار الصرف في الأسواق يكون بهبوط أو صعود سعر الدولار خلال فترة قصيرة لأكثر من 3 أو 5 بالمئة في فترة تتخطى أسبوعين، ما يؤثر على معنويات المستثمرين بالعالم وعدم ثبوت الأسعار على رقم محدد.
كما أكد معطي أن الدولار لم يشهد هذه التقلبات، ولذلك تستخدمه الدول بشكل أكبر، وهو لم يكن به تقلب مثل عملة الين على سبيل المثال، والتي تشهد ضعفا وتراجعات كبيرة على الرغم من اعتبارها ملاذ آمن مثل الدولار، لكن دائما ما تتجه الدول والمستثمرين إلى الدولار لأنه أقل تقلبا وأقل خطرا.
وذكر أنه لابد وأن تتحوط الدول من مخاطر الصرف، وخفض المخاطر، عن طريق ما يلي:
- محاولة التقليل من عجز الميزان التجاري.
- الزيادة من الصادرات والتقليل من الواردات.
- التنويع من العملات التي لديها بأن لا تكون كلها من الدولار.
- زيادة حجم احتياطي الذهب الذي يوفر ميزة تحويله لأي عمله.