صراع إيران وإسرائيل: نار جيوسياسية تلهب الأسواق والائتمان
08:27 - 18 يونيو 2025
في قلب تصعيد عسكري يهدد بإشعال الشرق الأوسط، تتسابق الأزمات الجيوسياسية والتكهنات الاقتصادية لصياغة مستقبل ضبابي يربك الأسواق ويقلق المستثمرين.
الحرب بين إيران وإسرائيل لم تعد مجرد مواجهة تقليدية، بل تحولت إلى اختبار حقيقي لمتانة الأنظمة الاقتصادية، واستقرار التصنيفات الائتمانية، وأمن الطاقة العالمي. ففي الوقت الذي تؤكد فيه وكالات التصنيف مثل "فيتش" أن الصراع "بوضعه الحالي" لا يستدعي خفضًا فوريًا للتصنيفات، إلا أن النوافذ تفتح أمام سيناريوهات أكثر قتامة إذا اشتعلت جبهات جديدة أو تدخلت قوى عظمى، وعلى رأسها الولايات المتحدة.
في هذا السياق المضطرب، قدم الدكتور ناصر قلاوون، أستاذ الاقتصاد السياسي، خلال حديثه إلى سكاي نيوز عربية، تحليلًا معمقًا ربط فيه بين خيارات الحرب والتفاوض، وتداعياتها المحتملة على الأسواق، وأسعار النفط، والاستقرار المالي في المنطقة وخارجها. من التصنيف الائتماني لإسرائيل، إلى مستقبل البرنامج النووي الإيراني، ومن نفط الخليج إلى مستقبل ترامب الاقتصادي، تتداخل الخيوط ليبدو المشهد العالمي أكثر هشاشة مما كان يظن.
سيناريوهات الحرب: من ضربة تأخيرية إلى مشروع إسقاط النظام
من وجهة نظر الدكتور قلاوون، فإن إسرائيل لا تخوض مجرد عملية عسكرية "ردعية"، بل تتبع خيارًا استراتيجيًا يتمثل في "الهجوم الوقائي لتأخير البرنامج النووي الإيراني، وربما جرّ الغرب إلى إسقاط النظام". وهو ما يشير إليه بوضوح من خلال قوله: "الاختيار الإسرائيلي كان واضحًا منذ خمسة أيام: الهجوم أولًا لتأخير النووي وربما لجرّ أميركا لإزالة النظام. هذا الكلام قاله نتنياهو بوضوح."
ويستند هذا التقدير إلى معطيات استخباراتية وتسريبات نوقشت في ندوات بحثية إسرائيلية، ما يؤشر إلى أن الحرب ليست عفوية، بل محسوبة زمنياً ومالياً، مع خسائر يومية تقدّر بـ 750 مليون دولار، وفق ما أكده قلاوون.
فيتش و"النظرة المستقبلية": بين الثبات والمراجعة
تقرير وكالة "فيتش" الأخير لم يغلق الباب أمام إعادة تقييم التصنيف الائتماني لإسرائيل، حيث جاء فيه أن "الوضع الحالي لا يستدعي تغييرًا فوريًا، لكن التصعيد قد يغير المعادلة." الدكتور قلاوون يقرأ هذه المعادلة من منظور متشائم نسبيًا:
"في المدى المنظور، هناك تلويح بخفض التصنيف إلى A-، والخسارة الاقتصادية قابلة للامتصاص لكنها ليست بلا ثمن."
ويضيف أن التراجع من A+ إلى A ثم إلى A- مع "نظرة مستقبلية سلبية"، يعكس تقييمًا ميدانيًا حذرًا من قبل وكالات التصنيف، التي تنتظر تطورات الحرب لتقرر. أما الهجرة الرأسمالية أو سحب الاستثمارات فلم تظهر بعد بشكل واضح، ما يشير إلى أن السوق يتريث، لكنه "على الحافة".
النفط عند خط النار: مضيق هرمز والتوقعات المتفجرة
واحدة من أبرز النقاط التي توقف عندها قلاوون هي مخاطر إغلاق مضيق هرمز، باعتباره "صمام الأمان" لسوق النفط العالمي، مشيرًا إلى أن تأثر البنية التحتية الإيرانية للنفط قد يدفع الأسعار: "لأكثر من 120 دولارًا للبرميل. لا أحد يريد ذلك، لا أميركا، ولا أوروبا، ولا حتى الصين."
ومع توقعات بأن يتراوح "الخطر الجيوسياسي" على أسعار النفط ما بين 5 إلى 10 دولارات للبرميل مبدئيًا، يرى قلاوون أن أي انزلاق أكبر في الحرب سيحوّل هذا الهامش إلى قفزة تضخمية عالمية: "شبح التضخم سيعود، وقد يهدد حتى الاقتصاد الأميركي الذي بدأ يُظهر إشارات ضعف في ظل هذا التصعيد."
ترامب على المحك: ما بين الخليج والصين
المشهد لا يكتمل دون وضعه في إطاره السياسي الأمريكي، حيث يؤكد الدكتور قلاوون أن جولة الرئيس دونالد ترامب الأخيرة في الخليج (السعودية، الإمارات، قطر) كانت تهدف إلى تأمين موقف إقليمي موحد لدعم إسرائيل سياسيًا واقتصاديًا، في حال فُرض التصعيد. لكنه حذّر من أن الانخراط العسكري الأميركي في الحرب، إذا ما حصل، سيضع أجندة ترامب الاقتصادية أمام اختبار قاسٍ: "إذا دخلت أميركا الحرب، لا بد من إنجاز سياسي لإسرائيل يبرر المخاطرة. وهذا ما لم يتحقق حتى اللحظة."
في موازاة ذلك، يرى قلاوون أن إدارة ترامب مطالبة أيضًا باحتواء الأزمات مع الصين، حيث يواجه تنافسًا صعبًا قد يفرض على البيت الأبيض "تراجعًا تكتيكيًا أمام بكين"، وهو ما يضعف الجبهة الاقتصادية الداخلية، لا سيما مع الضغوط من وادي السيليكون والبنك المركزي.
اقتصاد إسرائيل: بين الهزة والمرونة
ورغم ضخامة التكلفة اليومية للحرب، إلا أن قلاوون يرى أن الاقتصاد الإسرائيلي يتمتع بمرونة تكنولوجية وصناعية قادرة على امتصاص الصدمة، خاصة بفضل صادراته العسكرية والتقنية إلى آسيا
لكنه حذّر من التأثيرات النفسية والمعنوية للحرب على الاستثمار الأجنبي وعلى سمعة إسرائيل دوليًا، مؤكدًا أن "الرعب الاقتصادي قد لا يظهر في الأرقام فورًا، لكن أثره يتسلل بهدوء."
السيناريو الأسوأ: انهيار إيراني وتداعيات بلا أفق
حذّر قلاوون خلال حديثه الى سكاي نيوز عربية من سيناريو "انهيار إيران"، مؤكدًا أن ذلك: "سيشكل كارثة جيوسياسية تتجاوز قدرة ترامب على الاحتواء، وستترك فراغًا في الإقليم لا تستطيع باكستان أو تركيا ملأه."
وأضاف أن المواقف الأوروبية باتت أكثر وضوحًا في دعوتها لوقف إطلاق النار، خشية من انفجار أسعار الطاقة وتدهور النمو العالمي: "هل نستطيع أن نحقق نموًا عالميًا في ظل تصاعد أسعار النفط والتضخم؟ هذه ليست أزمة إقليمية فقط، بل معضلة دولية."
في قلب العاصفة... الاقتصاد يترنح والجغرافيا تحترق
وسط هذه العاصفة الجيوسياسية، يقف العالم أمام مفترق طرق محفوف بالمخاطر الاقتصادية. تصريحات الدكتور ناصر قلاوون ترسم صورة دقيقة لعالم لا يحتمل "شرارة جديدة"، سواء كانت قادمة من مضيق هرمز، أو من تل أبيب، أو من واشنطن. وبينما تتريث وكالات التصنيف، وتراقب الأسواق بحذر، تبقى الحقيقة أن أي تصعيد إضافي قد يدفع بكوكب الاقتصاد إلى شفا هاوية تضخم، وركود، وانقسام جيوسياسي جديد.
في نهاية المطاف، الحرب لا تُقاس فقط بعدد الضحايا أو فوهات المدافع، بل أيضًا بعدد النقاط التي يخسرها الاقتصاد العالمي في كل دقيقة من التوتر، وكل برميل نفط يتجاوز المئة دولار، وكل تصنيف ائتماني يترنح على سلم القلق.